اختر لغتك

الملتقى العلمي الدولي للسياسات السكنية في المنطقة العربية وشمال إفريقيا

الملتقى العلمي الدولي للسياسات السكنية في المنطقة العربية وشمال إفريقيا

تتهيأ جامعة تونس لاحتضان ملتقى علمي دولي بالغ الأهمية سيمتدّ على مدار يومين ليكون فضاء معرفيا يقارب قضية السكن في المنطقة العربية وشمال إفريقيا لا بوصفها مجرد إشكال تقني أو قطاع عمراني محدود الأثر، إنما كمدخل مركزي لفهم تحولات أعمق تمس البنية الاجتماعية والسياسات العمومية وموقع الإنسان في المدينة المتحولة.

مقالات ذات صلة:

ملتقى جندوبة حول الشركات الأهلية: رهان اقتصادي لتحقيق العدالة الاجتماعية وخلق الثروة

الملتقى العلمي الأول لأخصائيي علم النفس الحركي: نحو تشخيص دقيق لتحقيق التوازن الجسدي للأطفال

جندوبة تحتضن الملتقى الجهوي حول الشركات الأهلية: نحو ديناميكية تنموية جديدة

من تونس إلى الجزائر، ومن المغرب إلى موريتانيا، مرورا بإيران وتوغو تتلاقى التجارب ضمن هذا الملتقى في لحظة فكرية جماعية يتحد فيها السؤال وتتشعب فيه الأجوبة، فالسياسات السكنية لم تعد اليوم شأنا قطاعيا محصورا في حسابات التهيئة الترابية، لكنها غدت منظومة متكاملة تتقاطع فيها الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتنعكس آثارها على يوميات الناس، على هويتهم المجالية، على شعورهم بالانتماء... أو انعدامه.

يأتي هذا الحدث في سياق مشحون بالتناقضات حيث تتشابك الطموحات نحو العيش الكريم مع واقع السوق العقارية الذي بات يعيد إنتاج الفوارق المجالية والطبقية، فالسكن بما هو حق دستوري في العديد من البلدان لم يعد متاحا بيسر لمن يطلب لكن صار امتيازا تحدد شروطه اعتبارات مالية صارمة لا تعبأ بالحاجة ولا تنصت إلى الصوت الخافت للجهات والمناطق المهمشة، زفي هذا السياق تحديدا يكتسي الملتقى أهميته إذ لا يعيد فقط طرح الأسئلة بل يهيئ الأرضية لتفكيكها من زوايا متعددة، علمية، تحليلية، ميدانية.

ويمتد البرنامج العلمي على ثلاثة محاور كبرى تتكامل فيما بينها دون أن تتنافر، فالمحور الأول يسائل السياسة السكنية في تعريفها ومقاصدها وأدواتها لا على المستوى الوطني فقط لكن من خلال مقارنات إقليمية تبرز تنوع النماذج وتعدّد السياقات، وهنا تتنزل مساهمات باحثين من تونس والجزائر وإيران وتوغو يسلطون الضوء على ما يشكل النواة المفاهيمية للحق في السكن هل هو التزام أخلاقي؟ واجب دولتي؟ أم علاقة تعاقدية بين المواطن والمؤسسات؟

والمحور الثاني يدخل في صلب الهندسة المؤسسية للسياسات العقارية ويحلل الدور المتنامي للفاعلين المتعددين من الدولة، البلديات، الخواص، والمجتمع المدني، ومن خلال دراسات حالة تعرض تجارب متنوعة في تجديد الأنسجة الحضرية ومحاولات إرساء نماذج للسكن الاجتماعي لا تعيد إنتاج الهامش لكنها تسعى للاندماج ضمن رؤية عمرانية منصفة.

أما المحور الثالث، فهو أعمق ما في البرنامج اذ يتطرق إلى  تفكيك الآثار المكانية والاجتماعية والبيئية للسياسات المتبعة، وتتقاطع في هذا المحور مقاربات التحليل المجالي مع علم الاجتماع الحضري وتطرح فيه الأسئلة بصيغة أكثر تركيبا كيف تغير مشاريع الإعمار شكل المدينة؟ كيف يتحول المجال من فضاء حي إلى وعاء للاستثمار؟ وما هي الكلفة البيئية للتمدد العمراني غير المتوازن؟

اليوم الأول من الملتقى سيكون حافلا بالمقاربات التأسيسية إذ تنفتح الجلسات الأولى على قراءة نقدية للمنظومات التشريعية والمؤسساتية، قبل أن تنتقل في جلسات ما بعد الظهيرة إلى استعراض تجارب ميدانية من تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا، تتناول إشكاليات الولوج إلى السكن والفوارق المجالية ومشاريع إعادة الإيواء، إذ ان هذه التجارب لا تعرض بوصفها نماذج ناجحة أو فاشلة إنما كمواد خام للتحليل تساعد على كشف التناقضات البنيوية التي تعيشها المدينة المعاصرة في الجنوب.

في اليوم الثاني، تتعزز المقاربة التركيبية حيث تستعرض قضايا التفاوت الاجتماعي، التحولات الديمغرافية، والتمدد الحضري لا في بعدها المجرد بل ايضا من خلال تمثلاتها داخل المشهد العمراني في الأسعار، في التوزيع الجغرافي، في تحول الأحياء بل حتى في اللغة اليومية للسكان.

ويتميز الملتقى بثراء تركيبته الأكاديمية إذ يلتقي فيه الباحث في علم الاجتماع مع المختص في التخطيط العمراني ويجاور القانوني الاقتصادي ضمن حوار يتجاوز حدود التخصص ليصوغ رؤية أكثر شمولية، ولعل هذا التداخل بين الحقول المعرفية لا يهدف فقط إلى فهم الظاهرة إلا انه ايضا يولي الى استشراف ما بعدها في محاولة جادة لصياغة أدوات تحليل جديدة، تكون قادرة على مرافقة التحولات المتسارعة دون أن تظل أسيرة النماذج القديمة.

لتختتم الفعاليات بجلسة تقييمية لا تعيد فقط تلخيص المداخلات لكنها تفتح أفق التعاون بين المخابر والجامعات والمؤسسات ضمن ديناميكية تؤمن بأن المعرفة لا تتوقف عند الورق بل تنطلق منه لتصنع أثرا، فالملتقى في جوهره ليس نهاية لمسار علمي فقط لكنه انطلاقة نحو بناء وعي مجتمعي أوسع يجعل من الحق في السكن قضية وجودية لا مطلبا وظيفيا فحسب.

ففي زمن تشح فيه الإجابات وتتكاثر فيه الأسئلة سيأتي هذا الملتقى ليؤكد أن العمران ليس جغرافيا إسمنتية صماء إنما هو لغة تتحدث باسم الناس وتفصح عن مكانتهم في وطنهم.

آخر الأخبار

🔴 معهد المزونة: حين ينهار السور تنهار الثقة: هل يدفع المدير الثمن وحده؟

🔴 معهد المزونة: حين ينهار السور تنهار الثقة: هل يدفع المدير الثمن وحده؟

الصومال يكسر جدار الصمت الانتخابي: مقديشو تسجّل الناخبين لأول مرة منذ 56 عامًا

الصومال يكسر جدار الصمت الانتخابي: مقديشو تسجّل الناخبين لأول مرة منذ 56 عامًا

عناق بارد ثم صفعة دبلوماسية: هل دخلت الجزائر وفرنسا مرحلة القطيعة الباردة؟

عناق بارد ثم صفعة دبلوماسية: هل دخلت الجزائر وفرنسا مرحلة القطيعة الباردة؟

فرنسا تحسمها نهائيًا: الصحراء مغربية والحكم الذاتي هو الحل

فرنسا تحسمها نهائيًا: الصحراء مغربية والحكم الذاتي هو الحل

الملتقى العلمي الدولي للسياسات السكنية في المنطقة العربية وشمال إفريقيا

الملتقى العلمي الدولي للسياسات السكنية في المنطقة العربية وشمال إفريقيا

Please publish modules in offcanvas position.