بقلم: [عبد الحفيظ حساينية]
في خطوة توصف بأنها "تاريخية وجريئة"، أطلقت الحكومة الصومالية، اليوم الثلاثاء، عملية تسجيل الناخبين في العاصمة مقديشو، في مشهد غير مألوف منذ أكثر من نصف قرن، وتحديدًا منذ سنة 1969. الخطوة تمثل أولى إشارات القطيعة مع نظام سياسي عشائري ظلّ لعقود يقيّد حلم الديمقراطية في هذا البلد المنهك بالحروب.
مقالات ذات صلة:
قرار تبنّي الاقتراع العام المباشر بدءًا من أوت المقبل لم يكن وليد لحظة، بل جاء تتويجًا لضغوط محلية ودولية دفعت السلطات الصومالية إلى كسر القالب التقليدي القائم على المحاصصة القبلية، والانفتاح على نموذج انتخابي يُعيد السيادة إلى المواطن، لا إلى شيخ العشيرة.
"شخص واحد، صوت واحد": شعار يتحرّك على الأرض
الانتخابات المحلية المرتقبة في 30 جوان تمثل اختبارًا أوليًا لمبدأ "شخص واحد، صوت واحد"، في ظل واقع أمني هشّ وتحفّز عسكري كبير. ورغم التحديات الأمنية، أصرّت الحكومة على المضي في التسجيل، معتبرة أن الانتظار ليس خيارًا وأن الديمقراطية تُنتزع ولا تُمنح.
وكتب وزير الإعلام داود عويس في منشور على "إكس":
"بدأ المواطنون في مقديشو التسجيل للتصويت والحصول على بطاقتهم الانتخابية، ما يمثل خطوة مهمة نحو الاقتراع العام".
حلم مؤجل منذ 1969
الصومال لم يعرف انتخابات مباشرة منذ أكثر من خمسة عقود، وتحديدًا منذ 1969، قبل أن تنزلق البلاد إلى فوضى الانقلابات، ثم الحروب الأهلية، فالإرهاب. السنوات الطويلة من الانقسام والدمار جعلت العملية الانتخابية أشبه بحلم بعيد المنال، إلى أن جاء القرار الأخير، ليقلب المعادلة – أو على الأقل يحاول.
الظل الطويل لحركة الشباب
لكن وراء هذا التفاؤل، يبقى التهديد الأمني هو الغول الحقيقي الذي يُقلق الجميع. فقد شهدت الأشهر الأخيرة تقدّمًا ميدانيًا خطيرًا لحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، خصوصًا في المناطق القريبة من مقديشو. ولم تُخفِ مصادر دبلوماسية قلقها من "إمكانية استهداف مراكز التسجيل أو بث الرعب بين السكان".
هل تنجح التجربة؟
يرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تغيّر قواعد اللعبة في الصومال، شرط أن تصمد أمام التهديدات الإرهابية والتجاذبات العشائرية. نجاحها قد يفتح الباب أمام انتخابات تشريعية ورئاسية سنة 2026 تكون الأولى من نوعها في تاريخ البلاد الحديث.
ووفق تصريحات رسمية، فإن العملية ستشمل لاحقًا ولايات صومالية أخرى، في محاولة لتعميم التجربة على كامل الجغرافيا الصومالية، رغم صعوبة الميدان وتعقيد التوازنات.
رهان مقديشو... بين البارود وصناديق الاقتراع
تسجيل الناخبين في العاصمة ليس مجرد إجراء إداري، بل إعلان سياسي بأن الصومال يريد أن يستعيد نفسه. فهل تكفي بطاقة انتخابية واحدة لكسر خمسين عامًا من الدم والتشظي؟
الجواب في الشارع الصومالي... وفي مرمى نيران حركة الشباب.
