اختر لغتك

 

الصافي سعيد في رواية جديدة: الكيتش 2011

حالما انتهيت من كتابة النص، أحسست أنني خرجت من حياة ثم عدت إلى حياة أخرى.

شعرت بفراغ يغمرني ويأخذني بقوة إلى ارتباك النهايات.. كنت مستمتعا بعالم آخر قد صنعته بنفسي وبأشخاص آخرين قد أصبحوا أصدقائي.. عايشتهم برفق ولم أكن لأقسو عليهم حتى عندما يداهمني الغضب أو النضوب.. أحببتهم جميعا ولم أكره أحدا منهم.

حتى دناءاتهم لم تكن ثقيلة.

سكنت في دواخلهم وسكنوا بداخلي.. كانوا يذهبون معي إلى كل مكان.. إلى غرفة النوم، إلى المقهى، إلى الحمام.. لا بل أصبحت أشرب معهم القهوة وأتجادل معهم وأفكر في مصيرهم إلى درجة بات من الصعب عليّ طردهم أو تصفيتهم..

قلت ذات مرة لإحدى صديقاتي الواقعيات: «أنا عائد الآن إلى البيت، لألتقي مع شاهي شهبار».

سألتني من تكون؟

أجبتها: إحدى بطلات روايتي الجديدة.. لقد أحببتها.. أنا الذي رسمتها على الورق. والآن أريد أن ألتهمها كمن صنع تمثالا من الحلوى ثم أكله.

هكذا يعيش الروائي.

فهو يكتب حياة أخرى، متدفقة، ذات إيقاعات متصاعدة ومتوترة، مصنوعة من بؤس العزلة، فتصبح أكثر متعة من الحياة الواقعية، الرتيبة والكئيبة التي نعيشها، والتي لا نتدخل كثيرا في مجراها إلا وهميا! وبذلك فهو يصنع من عزلته أقصى درجات متعته.. وها إني أدعو القراء إلى مشاركتي في هذه المتعة فأقول: أن من حرم نفسه من متعة القراءة، عاش حياة واحدة بائسة.. ومن عاش عزلة الكتابة، عاش حياة مليئة بالمتع..!

* * *

أحذر القراء أن يبتعدوا عن الأفكار الجاهزة التي طبعت أغلب الروايات العربية! أحذرهم كذلك بعدم الاعتماد على ما جاء في النص من معلومات أو أرقام أو تحليلات أو نظريات أو تواريخ أو أحداث أو أسماء!.. إنه سرد خلاسي بامتياز.. متدفق، متساب، مربك، مفزع ومتوتر الإيقاعات والانفجارات، بعيد عن المنطق ويرتدي طابع الحكمة أحيانا، لكنه لا يتحلى لا بالكياسة ولا بالإيتيكات.. فلا هو واقع ولا هو محض خيال.. إنه حقل لإرباك الخطوات والحواس والذكاء.. سيتداخل الواقع بالخيال مع شخصيات طائرة من بلد إلى بلد.. مندفعة من مغامرة إلى أخرى دون دراية.. مسترسلة في هذيانها حينا، ومحاولة السيطرة على ضعفها في أحيان أخرى.. هاهم شاهي شهبار، مصعب الصراف، والشيخ العطار ومراد عباس وكريم كروان بك ويحي علوان وخوسيه بلانتيرو ومهى زعفراني وساندرا ومراد شمان وستيفاني نيكولاس وباشكير آغا ومرام حسن الحلبية وسمى عبد الصمد وعباس فرشخاي والياهو دانيال في رحلة من غرناطة إلى الموصل مرورا بطنجة وتونس واسطمبول حيث تدار خيوط لعبة الشرق الأوسط في بيت «آل أوشاكي»، ذلك البيت الذي سكنته طليقة كمال آتاتورك لطيفة خانم.. ذلك البيت الذي انتقلت ملكيته من كريم إلى مصعب الصراف ثم إلى الشيخ رشدي العطار الذي دشن مرحلة جديدة بإزاحته لمصعب الصراف وتصفيته للخليفة أبو عمر العدناني! مع أولئك جميعا، عاش كذلك إيكو ونيتشه والتقى لوركا بسلفادور دالي وتجادل طاغور مع اينشتاين، وتناقش ماركس مع نهرو وتبارى الحسن الثاني مع ميتيران وشرب الجميع نخب هذا العصر الكئيب أو هذا الربيع الكاذب دون أن ينتبه أحد إلى أن مرام الحرة، مرام الحلبية، مرام اليزيدية تلك البجعة البيضاء! قد خرجت من الرواية.

* * *

وهاهي مرام قد خرجت من الرواية لتكمل حكايتها بنفسها وهي تدافع عن حقها الذي لم يقدره لا الكاتب، ولا شخوص الرواية ..ولا حتى القراء. قالت مرام: قرأت الرواية.. ولا شك أنكم قرأتم ما قرأت.. ثمة أشياء لم يذكرها الكاتب لأنه لم يكن يعرف كل شيء.. وأظن أنه كان لا يعرف كيف يقترب مني.. الآخرون أيضا لا يعرفون عني إلا أشياء صغيرة .. ستيفاني اقتربت مني جيدا في اسطمبول والموصل لكنها لم تعرف كيف تقودني إلى قول الحقيقة. مراد شمان اكتفى بنصفي الآخر.. فؤاد عبدي لم يكن على اطلاع البتة بالخطّة (البجعة والوحش).. باشكير آغا، كان يعرف تفاصيل كثيرة لكنه كان متمسكا بالواجب وكاتما للسرّ. وعلى أيه حال، فإن الأبطال الحقيقيين دائما مجهولون ويحتاجون إلى رواية أخرى! وأنا واحدة من أولئك الأبطال.! أقول لكم أيضا: إذا طار البالون في الهواء، فلا يعني أنه يتمتع بالحرية!.

آخر الأخبار

عرض رسمي من هيئة الترجي لضم بن رمضان لموسم واحد

عرض رسمي من هيئة الترجي لضم بن رمضان لموسم واحد

انطلاق موسم التخفيضات الصيفية في تونس يوم 7 أوت 2024

انطلاق موسم التخفيضات الصيفية في تونس يوم 7 أوت 2024

ضباب كثيف يغطي مدينة بنزرت ويثير التساؤلات

ضباب كثيف يغطي مدينة بنزرت ويثير التساؤلات

أحمد الجوادي يتأهل إلى النهائي في سباق 800 متر سباحة حرة في أولمبياد باريس 2024

أحمد الجوادي يتأهل إلى النهائي في سباق 800 متر سباحة حرة في أولمبياد باريس 2024

العثور على جثة ستيني معلقة من سور مسجد في الكاف

العثور على جثة ستيني معلقة من سور مسجد في الكاف

Please publish modules in offcanvas position.