تشهد القطاع الصحي التونسي في السنوات الأخيرة أزمة متصاعدة تتمثل في هجرة الأطباء إلى الخارج بحثًا عن بيئة عمل أفضل، وهو ما أظهره تقرير رسمي أكد أن نحو 1450 طبيبًا غادروا تونس في عام 2024. وقد أثار هذا الأمر قلقًا كبيرًا في أوساط المعنيين بالشأن الصحي، حيث أصبح القطاع يعاني من نقص في الكفاءات الطبية وخاصة في المناطق الداخلية التي تعاني من تدني مستوى الرعاية الصحية.
مقالات ذات صلة:
هجرة الأطباء في تونس: نزيف الكفاءات أو مؤشّر لانهيار القطاع الصحي؟
دراسة: 78% من الأطباء المقيمين مستعدون للعودة إلى تونس بشروط
المنظمة التونسية للأطباء الشبان تقاطع التربصات بسبب نقص الأطباء الداخليين
أسباب هجرة الأطباء: ضغوطات لا تُحتمل
في تصريح إعلامي حديث، أكد نزار العذاري، الكاتب العام للمجلس الوطني لعمادة الأطباء، أن الأطباء التونسيين، وخاصة الأطباء الشبان، يضطرون إلى مغادرة البلاد نتيجة الظروف الصعبة التي يعانون منها في الميدان الطبي. فالنقص في الإمكانيات المادية والتقنية، وتزايد الضغوط النفسية في ظل التعامل مع أعداد كبيرة من المرضى في المستشفيات الحكومية، أدت إلى اتخاذ العديد من الأطباء قرار مغادرة البلاد.
مغادرة الأطباء: نزيف مستمر في القطاع الصحي
منذ سنوات، أصبحت هجرة الأطباء من الظواهر المقلقة التي تهدد استدامة النظام الصحي في تونس. مع تزايد عدد الأطباء الذين يسافرون إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل في دول مثل فرنسا وكندا وألمانيا، أصبح القطاع الصحي في تونس يعاني من نقص فادح في الأطباء المختصين والممارسين في مختلف التخصصات.
يعتبر العديد من الأطباء أن الأسباب التي تدفعهم للهجرة تتراوح بين الظروف المهنية غير الجيدة مثل الضغط الكبير في العمل، ونقص الدعم المادي للأطباء، بالإضافة إلى التشريعات الطبية التي لا تضمن لهم حماية كافية في حالة وقوع أخطاء طبية.
إجراءات الحكومة: هل يمكن أن تكون حلاً فعالاً؟
من جهته، أبدى نزار العذاري تفاؤلاً حذرًا بشأن الإجراءات الحكومية الجديدة التي تهدف إلى تخفيف أزمة هجرة الأطباء. وفي هذا السياق، تم الإعلان عن قانون المسؤولية الطبية الذي سيمكن الأطباء من الاستفادة من حماية قانونية قد تساعد في تقليص المخاطر القانونية المترتبة عن الأخطاء الطبية، وهو ما قد يعزز من ثقة الأطباء في ممارسة مهنتهم في تونس.
إضافة إلى ذلك، تعمل وزارة الصحة على مشروع الشركات، الذي يهدف إلى تحسين بيئة العمل للأطباء، مما سيسهم في توفير فرص تدريبية ومهنية أفضل لهم في داخل البلاد. كما أن التوجه نحو القطاع الخاص قد يوفر بعض الحلول للأطباء الذين يسعون لتحسين وضعهم المالي.
هل يكفي ذلك؟
رغم أن هذه الإجراءات قد تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن العديد من الخبراء يشككون في قدرة هذه الحلول على إيقاف موجة الهجرة. فالأطباء، كما يؤكد البعض، لا يرحلون فقط بسبب الظروف المادية، بل أيضًا بسبب الفرص المهنية والتدريبية التي لا تتوفر في تونس مقارنة بالدول الأكثر تقدمًا في المجال الطبي.
إضافة إلى ذلك، يحتاج النظام الصحي التونسي إلى إصلاحات هيكلية شاملة تشمل تحسين التجهيزات الطبية، وتطوير سياسات التعليم الطبي، و تحسين ظروف العمل في المستشفيات والمراكز الصحية. فقط عبر استثمار طويل الأجل في البنية التحتية والتكوين المستمر للأطباء يمكن للقطاع الصحي أن يستعيد توازنه.
استعادة الثقة: التحدي الأكبر
إن استعادة الثقة بين الأطباء والقطاع الصحي في تونس يعتبر التحدي الأكبر في ظل هذا الوضع المتأزم. وقد لا تكفي الإجراءات المؤقتة وحدها لوقف النزيف المستمر في الكفاءات الطبية، بل يجب أن تتم إصلاحات عميقة في السياسات الصحية وال استراتيجيات الدعم للأطباء.
في الختام، تبقى هجرة الأطباء قضية تتطلب تعاونًا بين جميع الأطراف المعنية من الوزارة، والمجتمع المدني، والمستشفيات الخاصة والعامة لإيجاد حلول مستدامة قادرة على الحد من هذه الظاهرة وإنقاذ القطاع الصحي التونسي من التدهور.
