قوات وحدات حماية الشعب عازمة على أن تجعل المعركة صعبة وطويلة بقدر الإمكان على تركيا.
بيروت – سيواجه المقاتلون الأكراد، الذين هزموا تنظيم الدولة الإسلامية في مساحة كبيرة من سوريا بمساعدة أميركية، صعوبة في صد الجيش التركي وحلفائه من الفصائل السورية الذين اندفعوا عبر الحدود، الأربعاء، في هجوم تهدد به أنقرة منذ فترة طويلة.
وتتعرض قوات سوريا الديمقراطية، التي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية رأس الحربة فيها، إلى هجوم تركي بعد أن انسحب حلفاؤها الأميركيون من جزء من الحدود، وهي أقل عددا وعدة بكثير من الجيش التركي؛ ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي.
ويخشى قادة عسكريون أميركيون أن يتوجه تركيز الأكراد إلى قتال القوات التركية بطريقة تقوض قدرتهم على حراسة مراكز الاعتقال في سوريا، أين يقبع الآلاف من مقاتلي داعش المساجين.
وتحذر مجموعة صوفان الدولية للاستشارات الاستراتيجية الاستخباراتية من أنه إذا ابتعد أعضاء القوات الديمقراطية السورية عن معسكرات الاعتقال التي يحرصون فيها على حراسة مقاتلي داعش وأنصارهم، فستصبح أماكن مثل الهول عرضة للخطر مع تدهور الأوضاع داخل المخيمات، وتزايد احتمال هروب العناصر الخطيرة من السجون التي تحتجزهم.
ورغم أن الولايات المتحدة تولت تسليح قوات سوريا الديمقراطية وتدريبها خلال سنوات محاربة تنظيم الدولة الإسلامية فقد أحجمت واشنطن عن تزويد حلفائها الأكراد بترسانة أكثر تطورا، بما يعكس احتياجات المعركة وكذلك المخاوف التركية.
وقال مصدر بوحدات حماية الشعب “الوحدات ليس لديها أسلحة ثقيلة (من الولايات المتحدة) يمكن أن تفيد في التصدي للطائرات أو الدبابات التركية”. وأضاف، مشترطا للخوض في مسائل عسكرية، عدم الكشف عن هويته “أثقل أسلحة حصلنا عليها من الولايات المتحدة بعض قذائف المورتر ولا شيء أثقل. لا صواريخ ولا أسلحة مضادة للدبابات”.
وأكدت سياسة واشنطن تجاه وحدات حماية الشعب التعقيدات الأشمل لدورها في الصراع السوري. ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية أثبتت أنها حليف فعال في مواجهة تنظيم
الدولة الإسلامية فقد أثار التأييد الأميركي لها غضب تركيا التي تعتبر وحدات حماية الشعب “إرهابية”، بسبب صلتها بحزب العمال الكردستاني الذي يشن حركة تمرد داخل تركيا منذ فترة طويلة. وقالت مصادر بالمعارضة السورية إن بعض السوريين، الذي يحظون بدعم تركي ويواجهون الآن قوات سوريا الديمقراطية، استفادوا من دعم عسكري أميركي في مرحلة سابقة من الحرب، عندما أشرفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية على برنامج لتسليح المعارضة المناهضة للأسد وتدريبها.
وأنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب العمل بهذا البرنامج في 2017 في إطار مساعيه لتحسين العلاقات الأميركية مع روسيا أقوى حلفاء الأسد. وكان البرنامج تعرّض إلى الانتقاد، لأن بعض أفراد المعارضة انضموا إلى جماعات إسلامية متشددة.
وقال مصدر ثان بوحدات حماية الشعب إن قوات سوريا الديمقراطية يبلغ عدد أفرادها في الوقت الحالي نحو 40 ألف مقاتل. وبخلاف ذلك كوّنت السلطات الكردية منذ فترة طويلة قوات أمنية أخرى مثل الأساييش، التي يقدّر عدد أفرادها بعشرات الآلاف.
وقال المصدر إنه رغم أن الولايات المتحدة لم تزود الوحدات بأسلحة ثقيلة أو متقدمة فقد حصل المقاتلون الأكراد من مصادر أخرى على صواريخ مضادة للدبابات. وأضاف، “واجبنا هو المقاومة. هذا هو الشرق الأوسط والسوق السوداء على أشدها”.
وقال مصدر بالمعارضة السورية، مطّلع على الموقف التركي، إن أنقرة تراقب الأسلحة التي تسلم لوحدات حماية الشعب منذ فترة طويلة، وكان ذلك نقطة خلاف مع واشنطن. وأضاف “كانوا يجرون مناقشات على الدوام مع الأميركيين عن نوع الأسلحة التي تسلم إلى (وحدات حماية الشعب)، حزب العمال الكردستاني”.
ويتعرض الآن إلى هجوم شطر الحدود الذي أخلته القوات الأميركية هذا الأسبوع، ويمتد مسافة 100 كيلومتر تقريبا بين مدينتي تل أبيض ورأس العين السوريتين. فقد بدأت تركيا قصف المنطقة بضربات جوية وبالمدفعية الأربعاء.
وتلك المنطقة في الأساس أرض منبسطة، مما يجعلها ساحة قتال صعبة على مقاتلي وحدات حماية الشعب المتمرسين الذين اكتسبوا خبرة سنوات في حرب مدن في مواجهة المتشددين، لكن لا حول لهم ولا قوة تقريبا في مواجهة الطائرات التركية.
ويعد هذا الشريط الحدودي، الذي كان في جزء منه عبر التاريخ وجودا عربيا قويا، مهمّا للمقاتلين من أكراد سوريا، لأنه يربط المناطق التي يغلب عليها الأكراد في الشمال الشرقي ببلدة كوباني الكردية، التي لا تزال للقوات الأميركية والقوات المتحالفة معها قاعدة فيها.
وبناء على مدى توغل القوات التركية في سوريا من الممكن أن يتعرض اتصال الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، والمعروفة في اللغة التركية باسم روج آفا، إلى الخطر. وسبق أن قالت قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على ربع مساحة سوريا في الشمال والشرق إن الخطوة الأميركية بمثابة “طعنة في الظهر”.
وقد عارضت واشنطن ظهور مناطق تتمتع بالحكم الذاتي يقتطعها قادة أتراك وحلفاؤهم في سوريا، رغم دعمها العسكري لقوات سوريا الديمقراطية التي تضم في صفوفها مقاتلين من العرب وعرقيات أخرى.
للحد من المكاسب الكردية نفّذت تركيا حتى الآن عمليتي توغل كبرتين في الشمال السوري. وأدت العملية الأخيرة منهما “غصن الزيتون” إلى إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب وعدد كبير من المدنيين الأكراد عن منطقة عفرين في الشمال الغربي. ويشن المقاتلون الأكراد تمردا في عفرين منذ ذلك الوقت.
وقال المصدر العسكري الأول في وحدات حماية الشعب إن الشريط الحدودي بين المدينتين قد يضيع في نهاية الأمر من يد الأكراد.
غير أنه أضاف أن قوات وحدات حماية الشعب عازمة على أن تجعل المعركة صعبة وطويلة بقدر الإمكان على تركيا، بالاعتماد على التحصينات القائمة على الحدود والمقاتلين المستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيل القضية الكردية. وقال إنهم إذا واجهوا الهزيمة هناك “فسيحدث تمرد لا نهاية له” على القوات التركية هناك.
وتابع “سيدفعون ثمن ذلك. في نهاية الأمر ربما نفقد تلك المنطقة، وهو ما يبدو أنه سيحدث، لكن هذا لا يعني أننا سنستسلم ونتراجع”. وقال القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية إن المقاتلين الأكراد سيعجزون عن وقف الغزو التركي.
وقال نهاد علي أوزجان، المحلل الأمني لدى مؤسسة الأبحاث التركية تيباف، إن قوات سوريا الديمقراطية ستستخدم أساليب حرب العصابات والكر والفر والألغام وتفجير القنابل على جوانب الطرق أو ربما الصواريخ المضادة للدبابات التي بحوزتها. وأضاف “سيواصلون اللسع مثل البعوض”.