الموازنة بين الأطراف
وضع الهجوم الروسي على أوكرانيا عدة دول أمام وضع معقد؛ فإما الانحياز لكييف ومن خلفها العواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن وخسارة موسكو أو تأييد خطوة الأخيرة وإغضاب الولايات المتحدة وحلفائها، وإسرائيل ليست استثناء في هذا الصدد حيث باتت تواجه حسابات تعكس مخاطر عالية على شبكة تحالفاتها وأنشطتها الإقليمية بما يرتبط بأمنها ومصالحها.
وقال الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية سعيد عكاشة إن “علاقات إسرائيل مع أوكرانيا لا تمثل أهمية تضاهي علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة، لذا كان من المنطقي أن تسعى السياسة الإسرائيلية منذ بداية الأزمة الأوكرانية، والتي بدأت في عام 2014 بعد قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، للحفاظ على التوازن في العلاقات مع موسكو وواشنطن وحلفائها في ما يخص تلك الأزمة”.
وأضاف عكاشة أن “إسرائيل تُدرك أن الانحياز إلى أي من الجانبين، الأميركي أو الروسي، بسبب الحرب الأوكرانية الحالية، سيكلفها الكثير، فإذا ما اختارت تل أبيب الانحياز لموقف الولايات المتحدة لتجنب خسارة أهم حليف استراتيجي لها، فإنه بوسع روسيا أن تواصل تطوير علاقاتها مع إيران اقتصاديا وعسكريا. ومع الأنباء التي تتردد عن قرب توقيع اتفاق عودة واشنطن للاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه في عام 2018، تخشى إسرائيل، الرافضة للاتفاق القديم والآخر المزمع توقيعه، أن تترجم موسكو غضبها من الموقف الإسرائيلي المُنحاز لواشنطن في الحرب الأوكرانية إلى المزيد من التعاون بين روسيا وإيران في مجال الطاقة النووية، بما يقرب الأخيرة من هدفها لصناعة أسلحة نووية؛ ترى إسرائيل أنها ستكون أكبر تهديد لأمنها بل لوجودها نفسه”.
والحسابات مرتبطة أيضا بالحرية التي منحتها روسيا لإسرائيل في التعامل مع الوجود الإيراني في سوريا ما يجعل هذا المعطى ورقة بيد موسكو في التعامل مع أي انحياز إسرائيلي محتمل للولايات المتحدة في الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا.
ففي الرابع والعشرين من يناير 2022 أعلنت روسيا عن البدء في تسيير دوريات مشتركة جوية مع سلاح الجو السوري بالقرب من هضبة الجولان السورية التي ضمتها إسرائيل إليها، وأكدت أن هذه الدوريات ستتحول إلى نشاط دائم مستقبلا.
وقال عكاشة في تقرير لمركز المستقبل إن “هذا يعني أن الحرية التي تمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في مهاجمة أهداف لإيران ولحزب الله اللبناني في سوريا، والتي مكّنت إسرائيل من شن 27 هجوما من هذا النوع في العام الماضي وحده، من دون أن تعترضه الدفاعات الروسية في سوريا؛ هذه الحرية يمكن أن تنتهي إذا واصلت تل أبيب إدانتها للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، مثلما قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في الرابع والعشرين من فبراير الماضي إن ‘الهجوم الروسي على أوكرانيا انتهاك خطير للنظام الدولي، وإسرائيل تدين الهجوم، وهى مستعدة لتقديم المساعدة الإنسانية لمواطني أوكرانيا'”.