اختر لغتك

إضراب مبارك

إضراب مبارك

إضراب مبارك

ما على المراقب الإيجابي إلا أن يقول للتونسيين: برافو.. شيء يرفع الرأس في أزمنة الانتكاسات والنكوص والارتهان لصندوق النقد الدولي.
 
 
"إضراب مبارك"، بهذه العبارة، وفي منتهى البهجة والحماس، هنأ التونسيون بعضهم بعضا على صفحات التواصل الاجتماعي، عشية دعوة النقابات العمالية للإضراب العام. في صبيحة اليوم التالي (الخميس 22 نوفمبر)، وبعد إتمام ما تبقى من عصيدة المولد النبوي ذات التكلفة الثقيلة على جيوب التونسيين، قام العاملون بالفكر والساعد بمنتهى الحيوية والنشاط، الأمر الذي لم نعهده في سائر أيام الدوام، قاموا للالتحاق بالتجمعات الاحتجاجية للتأكيد على أن قلة ذات اليد قد شملت أصحاب الياقات الزرقاء والبيضاء على حد سواء، وانضمت إلى هؤلاء جحافل العاطلين عن العمل بثياب الاسترخاء وقد هجروا المقاهي والمضاجع ولبوا النداء.. نداء الإضراب عن العمل من طرف العاطلين عن العمل.
 
أوجد الإضراب عن العمل “عملا” لبعضهم في ساحة باردو، قرب البرلمان التونسي، والتي ضمت مئات الآلاف من المضربين، وانتعش بائعو السندويتشات وعبوات المياه الطبيعية والغازية، والسجائر، كما تهيأ أيضا لهذا “الإضراب المبارك” بائعو المظلات والشوكولاتة، وخطاطو اليافطات، والعشاق الجديون والاستعراضيون، وماسحو الأحذية.. وآخرون.
 
 أمام هذا المشهد الذي قد يكون صحيا في وضع مأزوم، ما على المراقب الإيجابي إلا أن يقول للتونسيين: برافو.. شيء يرفع الرأس في أزمنة الانتكاسات والنكوص والارتهان لصندوق النقد الدولي الذي يملي على الحكومات سياسته، ويتعامل مع الشعوب كزبائن مديونين وأذلاء.
 
إلى أي مدى يبرهن التونسيون على الكوجيتو القائل إن الإنسان “حيوان مضرب”، ذلك أن لا أحد من الكائنات الأخرى يستقبل الحياة بالصراخ والاحتجاج، وحتى بالامتناع عن تناول الطعام غير الإنسان الذي يحفظ له التاريخ أول إضراب رسمي له في عهد الفراعنة في دير المدينة سنة 1152 قبل الميلاد ضد رمسيس الثالث أشهر حاكم في الأسرة العشرين، كما تقول المراجع التاريخية؟
 
فعل الإضراب قديم قدم العمل وما يرافقه من استغلال، قدم الغضب وما يولده من احتجاج، لكنه قد يمسي مهنة لدى بعضهم، وهدفا في حد ذاته فيضطر الطرف المتضرر عندئذ للدعوة إلى لإضراب عن الإضراب.. ساعتها لا يجد المرء آذانا تصغي إليه إلا تلك الشعوب الموغلة في تقديس ثقافة حب العمل، وهو أمر بعيد عن تقاليدنا الضاربة في ”متعة الكسل” إلى درجة أننا ابتدعنا وتفننا في مهن وزخارف وصنائع لم توجد إلا لخدمة الكسالى، وأغلب الظن أنها لن تنقرض أبدا بإذنه تعالى.
 
 
حكيم مرزوقي
كاتب تونسي
 

آخر الأخبار

بلا عنوان: عندما يتحوّل الذُّهان إلى مسرح على ركح قاعة الفنّ الرابع

بلا عنوان: عندما يتحوّل الذُّهان إلى مسرح على ركح قاعة الفنّ الرابع

من تريبوليتانيا إلى أطرابلس: تفكيك السرديات واستعادة التاريخ المغيّب

من تريبوليتانيا إلى أطرابلس: تفكيك السرديات واستعادة التاريخ المغيّب

في نسخته الخامسة: كأس رئيس دولة الإمارات يجمع الرياضة والثقافة في مضمار قصر السعيد

في نسخته الخامسة: كأس رئيس دولة الإمارات يجمع الرياضة والثقافة في مضمار قصر السعيد

منظمة الأعراف ترفض التعددية النقابية: قراءة في أزمة الحوار الاجتماعي في تونس

منظمة الأعراف ترفض التعددية النقابية: قراءة في أزمة الحوار الاجتماعي في تونس

هل يُعتمد الـVAR في قفصة؟ الجامعة تستشير الأندية والفيفا تشترط تكافؤ الفرص

هل يُعتمد الـVAR في قفصة؟ الجامعة تستشير الأندية والفيفا تشترط تكافؤ الفرص

Please publish modules in offcanvas position.