اختر لغتك

حتى لا يفسد المجتمع المدني ود العلاقات السعودية التونسية

حتى لا يفسد المجتمع المدني ود العلاقات السعودية التونسية

الوعي المدني مهم للغاية لتأطير التحركات وترشيدها في الكثير من الحالات، والحيلولة دون تطويعها واستثمارها من القوى الإقليمية المتربصة بالرياض والمستعدة لاستثمار أي جهد مدني في مكاسراتها ومزايداتها.
 
 
من طبيعة الدولة الديمقراطية أن المجتمع المدني فيها ومؤسسات الدولة يسيران بسرعات متفاوتة، ويعبران في الكثير من الحالات عن وجهات نظر متباينة ويجسدان رؤى ومقاربات قد تتقاطع في بعض القضايا، وقد تختلف في مواضيع أخرى.
 
وعلى الرغم من التأثير النسبي الذي قد يحصل بين المجتمع المدني والدولة لا سيما في بعض المطالب التي قد تكون معقولة، إلا أن الأصل في الأشياء كامن في تأثيث المجالات وتسييجها وتأطيرها، فكما أن الدولة مطلوب منها حسن استيعاب المجتمع المدني، فإن الأخير من المفترض منه استكناه المنطق الداخلي لمؤسسات الدولة والخيط الناظم والرابط لعلاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة والعمق الاستراتيجي لجوهر الرباط القائم بين العواصم، خاصة تلك التي تربط بينها وشائج التاريخ والجغرافيا والأنسنة المشتركة. ولن نجانب الصواب إن اعتبرنا أن أصل الإشكال في أن تُحكم الدولة بعقلية المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، أو أن يُدار المجتمع المدني بذهنية الحكم وعقلية الاستحكام، وفي الحالتين نأي عن الصالح العام والمصلحة المشتركة.
 
مكامن التحفّظ حيال فترة حكم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي عديدة ويطول شرحها، ولكن على رأسها حُكم الدولة التونسية بعقلية المجتمع المدني وذهنية الجمعيات الحقوقية، وتحويل قرارات وتصريحات المؤسسات الرسمية إلى شبه بيانات صادرة عن هياكل جمعياتية، وتعريض مصالح الدولة الوطنية إلى الخطر، الأمر الذي أصاب الدبلوماسية في مقتل وأضعف من مكانتها وزج بالبلاد في فترة تهجين ضمن جغرافيتها السياسية وتاريخها الدبلوماسي.
 
وكما أنّ كلّ استدعاء للعقل السياسي في فترة حكم المرزوقي في الدبلوماسية هو تهوين للدولة وإضعاف لدورها واصطفاف غير منطقي وغير مبرر وراء أجندات إقليمية، فإن استحضار العقل الاستبدادي للدولة حيال المجتمع المدني هو استهداف لمبادئ الديمقراطية والمجال العمومي الديمقراطي والتعددي.
 
ولئن كانت من إيجابيات تُذكر للرئيس الباجي قائد السبسي السبسي، فهي أساسا إعادة تأثيث المجالات واستعادة الدولة من عقلية العمل الحقوقي، ومن ذهنية الهواية والمراهقة السياسية للكثير من ممتهني السياسة إبان حكم الترويكا، واستنهاض الدور الدبلوماسي لتونس.
 
جسّدت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تونس فرصة عميقة لمزيد استكناه دور المجتمع المدني في دولة ديمقراطية ولمزيد استفهام منطق الدولة وميكانيزماتها الداخلية وجوهر علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية لدى المجتمع المدني، وبعبارة أدق لمزيد التفهم المشترك والمتبادل بين الطرفين.
 
فالمجتمع المدني ليس مطلوبا منه أن يكون متذيّلا لتوجهات الدولة، ولا الأخيرة مطلوب منها أن تكون تكريسا رسميا ومؤسساتيا لمطالب الحقوقيين، والمجتمع المدني الأصلي والأصيل هو الذي يتحرك وفي ذهنه مصالح الدولة الداخلية والخارجية ويسعى إلى توطين هذه المصالح دون التضحية بها، وفي المقابل فإن الدولة الديمقراطية هي التي تتحرك أيضا وفي حساباتها مطلبية المجتمع المدني والمتمدن.
 
وكما أنّ تحركات المجتمع المدني في بريطانيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لم تمنع الكثير من قادة دول العالم العربي والإسلامي من زيارتها وتمتين العلاقات الاقتصادية وتوقيع الشراكات السياسية والاستراتيجية، بل واعتبارها مجالات منسية تستحق غرسا اتصاليا وجهدا رمزيا لإعادة بناء الصورة الذهنية، فمن المفروض أيضا ألا تفسد بعض تحركات المجتمع المدني التونسي ود العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وهي علاقات تاريخية واستراتيجية قائمة وقادمة.
 
شواهد التقارب بين الرياض وتونس خلال السنوات الأربع الأخيرة واضحة وجلية، فمن ملف اليمن إلى سوريا إلى التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، كانت تونس بالنسبة للرياض اللبنة الأساس لأي تحرك إقليمي عربي أو إسلامي، وكانت الرياض بالنسبة لتونس الداعم الأهم في الكثير من الملفات الاقتصادية والاستثمارية، وتراهن تونس على الدور السعودي في إيصالها إلى العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن ودعم ملف ترشحها بالوزن الدبلوماسي الذي يستحق.
 
استنبات الوعي المدني بهذه القضايا مهم للغاية لتأطير التحركات وترشيدها في الكثير من الحالات، والحيلولة دون تطويعها واستثمارها من القوى الإقليمية المتربصة بالرياض والمستعدة لاستثمار أيّ جهد مدني- حسن النية- في مزايداتها في حروب الأقاليم.
 
هي إذن المسؤولية المؤسساتية والاستراتيجية التي لا بد لها أن تحظى بمزيد غرس وتأصيل في المجتمع المدني، ومسؤولية مدنية من الواجب أن تنال حظها وحقها ضمن أداء الدولة الديمقراطية، وفي الحالتين تعايش ومعادلة بين المجتمع المدني المسؤول والدولة الديمقراطية المدنية والمتمدنة.
 
 
أمين بن مسعود
كاتب ومحلل سياسي تونسي
 
 

آخر الأخبار

حريق ضخم يندلع في غابة شعراء بعين دراهم وصعوبة التضاريس تعرقل جهود الإطفاء

حريق ضخم يندلع في غابة شعراء بعين دراهم وصعوبة التضاريس تعرقل جهود الإطفاء

اكتشاف خاتم أثري يعود لشعب البيكتيون في أسكتلندا مدفون لأكثر من 1000 عام

اكتشاف خاتم أثري يعود لشعب البيكتيون في أسكتلندا مدفون لأكثر من 1000 عام

باحثون أمريكيون يكتشفون صبغة تجعل الجلد شفافاً: ثورة جديدة في تشخيص الأورام

باحثون أمريكيون يكتشفون صبغة تجعل الجلد شفافاً: ثورة جديدة في تشخيص الأورام

يوتيوب تطور أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لحماية المبدعين من الفيديوهات المزيفة

يوتيوب تطور أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لحماية المبدعين من الفيديوهات المزيفة

المعهد الوطني للرصد الجوي يحذر من خلايا رعدية وأمطار محلية في الجنوب الشرقي والمرتفعات الغربية

المعهد الوطني للرصد الجوي يحذر من خلايا رعدية وأمطار محلية في الجنوب الشرقي والمرتفعات الغربية

Please publish modules in offcanvas position.