اختر لغتك

 

ما لم يقل عن روايات الإقالات والاستقالات في تونس

ما لم يقل عن روايات الإقالات والاستقالات في تونس

ما لم يقل عن روايات الإقالات والاستقالات في تونس

الرئيس التونسي يدخل مرحلة ممارسة الفعل السياسي بضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
 
لا سؤال في الشارع التونسي هذه الأيام سوى عن تعدّد فصول الروايات وتضاربها بشأن تطورات الإقالات أو الاستقالات التي شملت كلا من وزير الخارجية خميس الجهيناوي ووزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي. الاستفسار عن هذه التطورات يبدو في ظاهره منطقيا إلى حدّ بعيد، لما تكتسيه كل من هذين الحقيبتين من أهمية قصوى داخل أي نظام سياسي. حتى وإن كانت هذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الجديد قيس سعيّد محصّنة قانونا بالدستور الذي يمنحه صلاحيات واسعة تمكّنه من فرض تصوراته في السياسة الخارجية والأمن القومي، فإن استعجاله في وضع بصماته على الحكم يطرح في المقابل حزمة من النقاشات المتسائلة عن مرد هذه العجلة.
 
تونس – لم ينتظر الرئيس التونسي قيس سعيّد كثيرا كي يبدأ مبكرا في رسم ملامح سياساته على أرض الواقع بإعفائه وزيري الخارجية خميس الجهيناوي والدفاع عبدالكريم الزبيدي من منصبيهما، مُستبقا موعد تشكيل الحكومة الجديدة في تونس.
 
إن الرئيس الجديد يستند قانونا لدى اتخاذه هذه القرارات على ما منحه إياه دستور الجمهورية الثانية الذي يعطيه الأحقية في تسمية واقتراح من يراهما مناسبين لإدارة السياسة الخارجية والأمن القومي التونسي وذلك بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. من المعلوم أنه في عالم السياسة وبعد حدوث كل تغيّر تفرزه الانتخابات، يُحاول رجل السياسة الفائز في الانتخابات خاصة في أول أيام حكمه إرجاع الهدايا لناخبيه وتطبيق ما وعد به قواعده وهو ما يسعى إلى فعله جاهدا قيس سعيد الآن.
 
إن قيس سعيّد وله الأحقية في ذلك سياسيا وقانونيا، يُكابد منذ أن تسلّم السلطة بشكل رسمي ليُبرهن لمن انتخبه أنه ماض لا محالة في تطبيق شعاراته الانتخابية القائمة على أنّ ما سيؤسسه اليوم ولمستقبل تونس هو نظام جديد يقتضي بالضرورة تغيير رجال النظام القديم والقطع مع الماضي.
 
لكن سعيّد وبعد اتخاذه قرارات الإعفاءات، لا يتوانى في الوقت نفسه وهو ينتهج سياسة اتصالية تتكلّم لغة الإيحاء عن إبراق بعض الرسائل السياسية عبر لقاءات يرتّبها مع بعض وجوه رجال السياسة والمسؤولين السامين في الدولة كرئيس الحكومة يوسف الشاهد، ليعكس لناخبيه صورة مفادها أن مجهوداته للتغيير تُقابل بمحاولات البعض التشبّث بالبقاء وإعادة تموقعهم لتلافي الخروج من الحكم من الباب الصغير.
 
تختلف التقييمات لما حدث وما سيحدث مستقبلا من تعديلات وتغييرات على رأس هرم السلطة في تونس، لكن وعلى الرغم من ذلك، يوجد انطباع آخر بدأ يسود على وقع ما حصل من تعديلات في الشارع التونسي عنوانه “الرئيس يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد”.
 
سعيّد يُكابد ليُبرهن لمن انتخبه أنه ماض في تطبيق شعاراته القائمة على أن ما سيؤسسه هو نظام جديد يقطع مع الماضي
 
لقد بدأت تتأكّد طيّات وملامح هذا الانطباع الشعبي، على إثر الاتهامات الموجّهة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ببداية الاصطفاف وراء سعيّد طامحا بالبقاء في قلب رحى السلطة وذلك عبر إخراج كل ما يعرف من ملفات وخاصة عبر تصفية الحسابات مع خصومه من نفس العائلة العلمانية وعلى رأسهم الزبيدي والجهيناوي المحسوبين على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
 
لكن، في كل هذا فإنه من غير المستبعد أن يكون رئيس الحكومة بدوره من أهم ضحايا خيارات وتكتيكات الرئيس الجديد. وكل ذلك تُترجمه التصريحات التي أدلى بها عبدالكريم الزبيدي سويعات فقط بعد الاستغناء عن خدماته. وقال الزبيدي لدى تقديم اعترافاته بشأن ما حصل قبل إبعاده عن قيادة وزارة الدفاع “خلال لقاء ثنائي جمعني بالرئيس قيس سعيد ودام ساعة دعاني إلى التراجع عن الاستقالة والمحافظة على منصبي كوزير للدفاع”.
 
وأضاف “لقد وافقت على البقاء بعد أن أقنعني قيس سعيد بأنه سيحاول تقريب وجهات النظر بيني وبين الشاهد”، مؤكدا أن الرئيس الجديد غيّر موقفه بشكل تام بعد ما يقارب ساعة من اللقاء وأن الرئيس اتصل به على الهاتف ليعلمه بقرار إقالته من منصبه بعد لقاء جمع الأخير برئيس الحكومة يوسف الشاهد. في كل هذه المنعطفات التي تشي بمزيد انسداد الأفق السياسي في البلاد، تبقى أهم التساؤلات متعلقة بمدى ارتباط ممارسة سعيّد لصلاحياته الدستورية بمستقبل تشكيل الحكومة الجديدة التي يبدو أن الاتفاق على برامجها وشكلها وخاصة على من سيقودها مازال بعيد المنال، وذلك بالتزامن مع تقدّم كل من فاز في الانتخابات التشريعية بشروط تكاد تكون تعجيزية قصد تحسين شروط التفاوض مستقبلا.
 
إن الرئيس التونسي الذي بنى مستقبله السياسي على قاعدة القرب من المواطن والنطق باسمه من كرسي قصر قرطاج، يحاول أيضا الآن لعب أوراقه السياسية المشروعة الدافعة للبرهنة للشعب أنه الأكثر شرعية وأن لا تشكّل لأي حكومة قادمة دون تزكيته أو تدخّله.
 
وفي علاقة بالحكومة المرتقبة، ينص الدستور التونسي المصادق عليه عام 2014، على أن الرئيس هو الضامن لأمن البلاد والضامن لوحدتها، لكنه لا يمنحه صلاحيات موسّعة في ما يتعلق بكل ما هو ترتيبي وتنفيذي وهما الشيئان اللذان تستأثر بهما دستوريا الحكومة التي يعيّنها البرلمان، إذن لماذا يريد قيس سعيّد لعب هذا الدور والحال أنه ليس محاطا كما الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بحزب فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات؟
 
ورغم أنه يحاول الآن تكوين سند سياسي وحزام شعبي يصادقان مستقبلا على خياراته، فإن قيس سعيّد أجاب سياسيا عن كل الأسئلة المتعلقة بما يقدمه الآن من أداء لدى مشاركته في المناظرة التلفزيونية التي جمعته بمنافسه في الدور الثاني آنذاك نبيل القروي، بتكراره القول “لا أقدّم وعودا، كل ما سأفعله أني سأقدّم ما أراه مناسبا للبلاد ومن ثمة، فليحاسب الشعب البرلمان والحكومة”.
 
في كل هذا الجدل، المرافق للمشاورات المباشرة أو الجانبية بين الأحزاب بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، يعي أيضا قيس سعيد ويدرك كامل الإدراك، أن ما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية لا يمنح أي طرف بما في ذلك حركة النهضة الإسلامية الفائزة بالمرتبة الأولى أغلبية لفرض تصوراتها وشروطها حول تركيبة الحكومة أو بشأن رئيسها المرتقب.
 
وتباعا لكل هذا، فإن ما يُفهم سياسيا من تحركات الرئيس الجديد الذي لم يصدر موقفا من دعوة حزب حركة الشعب (حزب قومي عروبي) الفائز بالمرتبة الثالثة إلى وجوب تشكيل “حكومة الرئيس” أنه يرفع شعار الشرعية، بما أنه أكثر رئيس حاصل على أصوات انتخابية بعد ثورة يناير 2011 برصيد مليونين وسبعمئة ألف صوت، منذ اللحظة الأولى في وجه البرلمان الجديد حتى قبل أن يتركز وجوده القانوني أو يؤدي نوابه اليمين الدستورية.
 
كما أن سعيد بدا للعيان وهو يتخذ قرارات الإقالات ويُقابل الجميع في قصر قرطاج وكأنه يخرج من دوائر الظلام إلى النور بعد كل ما حصل من جدل حول غموضه وخياراته السياسية، فهو يريد ويدفع الآن نحو البرهنة لقواعده وأنصاره أنه سيطبق فعلا شعار “الشعب يريد” وأنه لن يكون لُقمة سائغة للأحزاب وأنه سيكون صاحب كلمة فصل حتى في تشكيل الحكومة الجديدة. إن الرئيس الجديد الطامح لتغيير النظام السياسي بجعله يحتكم لحكم محلي لا مركزي، يعجّل بممارسة صلاحياته لفرض اسمه في المعادلة السياسية، لكنه يواصل السير في نفق الغموض، حيث كان من الأجدى أن تكون أوكد صلاحياته بمجرّد تسلمه السلطة ن يعلن عن أسماء مستشاريه في السياسة والأمن والإعلام وعن مدير ديوانه الرئاسي كي يعرف الشعب بالضبط إلى أين ستقود سياسات مؤسسة الرئاسة مستقبلا.
 
 
وسام حمدي
صحافي تونسي
 
 
Tags:

آخر الأخبار

الجزائر تسحب سفيرها من فرنسا عقب دعم باريس لموقف المغرب بشأن الصحراء الغربية

الجزائر تسحب سفيرها من فرنسا عقب دعم باريس لموقف المغرب بشأن الصحراء الغربية

يوسف سنانة يثير الجدل: إعارة إلى ترجي جرجيس وسط غياب ومطالب بفسخ العقد!

يوسف سنانة يثير الجدل: إعارة إلى ترجي جرجيس وسط غياب ومطالب بفسخ العقد!

مهرجان أوذنة الدولي: ثاني سهرات الدورة الرابعة تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية

مهرجان أوذنة الدولي: ثاني سهرات الدورة الرابعة تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية

إصابة محمد أمين الحمروني تتطلب راحة طويلة وتدخلًا جراحيًا

إصابة محمد أمين الحمروني تتطلب راحة طويلة وتدخلًا جراحيًا

مهرجان أريانة: سوء تنظيم وترحيب  "بالمعارف" بدل الصحفيين

مهرجان أريانة: سوء تنظيم وترحيب "بالمعارف" بدل الصحفيين

Please publish modules in offcanvas position.