اختر لغتك

حكومة التكنوقراط الهجينة محاولة لإدامة الصراع في تونس

حكومة التكنوقراط الهجينة محاولة لإدامة الصراع في تونس

حكومة التكنوقراط الهجينة محاولة لإدامة الصراع في تونس - غياب البدائل

غياب البدائل
 
كلما أتيحت فرصة لتقرّب الإسلاميين في تونس من السلطة كانوا يقدمون كل التنازلات الممكنة خاصة على مستوى التصريحات التي تمتدح الأشخاص؛ تصريح راشد الغنوشي (رئيس الاتجاه الإسلامي قبل أن يتحول إلى حركة النهضة) والذي قال إنه يثق في الله أولا وفي زين العابدين بن علي (الرئيس التونسي الأسبق) ثانيا.
 
وفي مناخ الانفتاح على نظام بن علي، بادر الإسلاميون إلى التوقيع (سنة 1988) على الميثاق الوطني بكل بنوده بما في ذلك ما تعلق بمدونة الأسرة (مجلة الأحوال الشخصية) التي كانت تتناقض مع خطاب الشريعة الذي كانوا يتبنّونه ويهاجمون من خلاله الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بزعم “تحدي الشريعة”.
 
وخلال فترة بن علي، استفاد القوميون (حركة الشعب حاليا) من الانفتاح، ولو بشكل غير معلن، وسمحت لهم علاقة الود التي كانت بين بن علي والعقيد الليبي معمر القذافي فنشطوا ضمن القناة القومية المعترف بها وقتها، الاتحاد الديمقراطي، بزعامة عبدالرحمان التليلي، فيما تسلل جزء آخر من “الطلبة العرب التقدميون”، الذين أعلنوا عن حلّ أنفسهم بشكل مفاجئ في تسعينات القرن الماضي، إلى التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم حينها)، وإلى المؤسسات الثقافية، لمنع استهدافهم مثلما حصل للإسلاميين.
 
حركة النهضة هربت باتجاه حكومة الكفاءات للتغطية على فشلها وعجزها عن إدارة الحكم واجتراح بدائل تخدم الناس بدل الشعارات والوعود
 
واختار جزء من اليسار أن يدخل إلى التجمع الدستوري الديمقراطي مع بداية حكم بن علي، وكان رأس حربة في مواجهة الإسلاميين تحت مسوّغ تأجيل الصراع مع السلطة باعتبارها نقيضا ثانويا في مواجهة عدوّ استراتيجي يسعى لضرب “مكتسبات الدولة الحديثة”. وساهم هذا التطور في تحويل اليسار في أغلبه من تيار راديكالي إلى تيار ثقافي أيديولوجي وطبع مواقفه وتحولاته بعد احتجاجات 2011 ودفع به من مرشح أول لقيادة الثورية وتنزيل شعاراتها إلى تيار ثانوي سرعان ما خسر مواقعه في البرلمان لفائدة مجموعات شعبوية تردد شعاراته.
 
وبالنتيجة، وباعتماد التاريخ والواقع، لم تكن المعارضة تمثل نقيضا للنظام سواء ما قبل الثورة وما بعدها، وظلت تدير التناقضات مع خصومها في مستوى الشعارات والوعود وبنفس الآليات مع بورقيبة وبن علي والباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، وحين أتيحت لها الفرص تهرّبت تحت مسوغات مختلفة، لكنها باتت الآن في وضع صعب بعد أن نجح خصومها في إظهار عجزها وغياب بدائلها.
 
وكشفت أزمة تشكيل الحكومة عن حرج كبير لدى التيار الديمقراطي (يسار اجتماعي) وحركة الشعب القومية، بعد أن ناورت حركة النهضة بإعطائهم الحصص التي طلبوها من الحقائب، وتوصلت معهم إلى وثيقة مكتوبة كأرضية لحكومة “قوى الثورة”.
 
وفي الوقت الذي كانوا يشككون فيه في أن تقدم لهم النهضة الضمانات الكافية (الحصص) للمشاركة في الحكم، عادوا ليشككوا في نواياها من تمكينهم من تلك الحقائب والخوف من أن تغدر بهم بعد تمرير الحكومة أمام البرلمان.
 
وقد تكون المخاوف جدية من قدرة النهضة على المناورة، وخاصة من أن يكون التحالف معها مقدمة لانشقاقات في الأحزاب المتحالفة بسبب العداء الأيديولوجي، لكن الخطاب الذي تابعناه في الأيام الأخيرة كان يخفي مخاوف جدية من انكشاف عجز تلك المعارضة عن تحقيق وعودها في المسائل الحيوية خاصة الاقتصادية والاجتماعية، في ظل أزمة خانقة تعيشها تونس وأرقام اقتصادية مخيفة.
 
وفضّل التيار وحركة الشعب العودة إلى المربع الأول الذي ستكون خسائره أقل قياسا بالمشاركة في الحكم وما يتطلبه من تنازلات وتخلّ عن الشعارات وخطاب تبريري لإجراءات التقشف أو التراجع عن توفير مواطن العمل من خلال إغراق مؤسسات الدولة بالوظائف الجديدة وتحميلها مسؤولية الإنفاق بسخاء على الفقراء والمهمشين واسترضاء اتحاد العمال (الاتحاد العام التونسي للشغل) بالزيادة في الرواتب والعلاوات.
 
الأحزاب توظف الأزمات وخلط الأوراق لتنجو من غضب الشارع وتحافظ على صدقية شعاراتها وتماسك جبهاتها الداخلية لكن بتعميق أزمة البلاد
 
لا يمكن أن تغطي المناكفات السياسية على حقيقة أن المعارضات العربية بكل خلفياتها الأيديولوجية لا تحمل بدائل، ولذلك تفضل الإرجاء والهروب إلى الأمام. ولا يختلف الأمر، هنا، بالنسبة إلى من يقرر الدخول إلى السلطة والمشاركة في الحكم بأيّ شكل من الأشكال.
 
ورأينا اقتراب جزء من اليسار من حكم بن علي وكيف انتهى به إلى يسار بورجوازي تبريري خادم للرأسمالية التابعة (الكمبرادور). والأمر نفسه لحركة النهضة الإسلامية التي تحولت في السنوات الثماني الماضية إلى أداة خادمة للرأسمالية ذاتها بالرغم من أنها تحاول تقديم وجودها في السلطة على أنه مدخل للتمكين واختراق الدولة العميقة، في ظل الهوس بالاعتراف الداخلي والدولي، وليس بالتغيير.
 
وبقطع النظر عن تقييمنا للأفكار الكبرى التي تحملها المجموعات الأيديولوجية الثلاث الكبرى، فإنها انتهت أخيرا، وفي آخر تعبيرات الحرب الباردة، التي ظلت في أذهان المعارضات العربية فيما تخلص منها العالم حتى في الدول الرئيسية في تلك الحرب، إلى انتصار الرأسمالية كنظام حكم محلي أو دولي فيما بقيت الاشتراكية (بما في ذلك النماذج المعدلة) مجرد دافع يغذي المعارضة.
 
 

آخر الأخبار

القبض على وسام بن يدر: اتهامات بالاعتداء الجنسي في حالة سكر تلاحق الدولي الفرنسي

القبض على وسام بن يدر: اتهامات بالاعتداء الجنسي في حالة سكر تلاحق الدولي الفرنسي

28 ألف مشجع في مواجهة حاسمة: اجتماع أمني يمهد لموقعة الملعب التونسي واتحاد العاصمة الجزائري

28 ألف مشجع في مواجهة حاسمة: اجتماع أمني يمهد لموقعة الملعب التونسي واتحاد العاصمة الجزائري

جريمة في وضح النهار: فيديو صادم لعملية 'براكاج' يهز العاصمة ويشعل مواقع التواصل الاجتماعي!

جريمة في وضح النهار: فيديو صادم لعملية 'براكاج' يهز العاصمة ويشعل مواقع التواصل الاجتماعي!

القبض على قاتل لاعب الرقبي بالملعب النابلي في نابل

القبض على قاتل لاعب الرقبي بالملعب النابلي في نابل

انطلاق فعاليات الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في القيروان

انطلاق فعاليات الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في القيروان

Please publish modules in offcanvas position.