تفصلنا أيام قليلة عن الأول من مايو، يوم الشغل، الذي يجسد في جوهره كفاح العمال في كل أنحاء العالم، ونضالهم المستمر من أجل حقوقهم الأساسية وكرامتهم. هذا اليوم يحمل في طياته أكثر من مجرد احتفالات، بل هو فرصة لتجديد العهد بالنضال، ولإعادة تسليط الضوء على معركة الشرف والعدالة التي يخوضها كل عامل في مسيرته اليومية. وفي هذا السياق، يتزامن هذا العام عيد الشغل مع الذكرى الرابعة عشرة لتأسيس اتحاد عمال تونس، هذا الصرح الذي لطالما كان منارة في مسيرة العمال ونضالهم ضد جميع أشكال الظلم الاجتماعي والاقتصادي.
تأسس اتحاد عمال تونس ليكون مرآة تعكس طموحات وآمال الطبقات العاملة في البلاد، وليحمل راية النضال المستمر ضد الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار. ومع مرور السنوات، أصبح هذا الاتحاد رمزًا للنضال المشترك بين التونسيين من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. ففي هذا اليوم، عندما ترفع الشعارات وتُسمع أصوات العمال من كل الجهات، يعود إلى الأذهان تاريخ طويل من المكاسب التي تحققت بفضل تضحيات العمال، ومن بينهم شبابٌ وشيوخ، نساء ورجال، وقفوا بشجاعة ضد صروف الزمن القاسية، دفاعًا عن حقهم في حياة كريمة.
لكن هذه الذكرى لا تتوقف عند حدود تونس فقط، بل تفتح آفاقًا أوسع تتجاوز الحدود الجغرافية. إنها تلتقي بقضية أخرى عظيمة، قضية فلسطين، التي لطالما كانت محط اهتمام اتحاد عمال تونس وجميع الأحرار في العالم. ففي هذا اليوم، لا نكتفي بالحديث عن حقوق العمال فقط، بل نتحدث عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يعاني من الاحتلال والظلم.
فلسطين ليست مجرد قضية سياسية أو نزاعًا إقليميًا، بل هي قضية إنسانية بامتياز. والعمال في تونس، مثلهم مثل غيرهم من الأحرار، لا يمكنهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الظلم الذي طال أمده. لذا فإن الإحتفال بعيد الشغل هذا العام يحمل رسالة أعمق وأكبر، رسالة التضامن والمطالبة بالحرية للفلسطينيين الذين لا يزالون يقاومون من أجل حقهم في وطنهم. هو أيضًا تأكيد على أن النضال من أجل حقوق العمال في تونس هو جزء من النضال العالمي من أجل الحرية والعدالة.
وفي هذا السياق، ينطلق شعار هذه السنة من مفهوم الإقلاع، ذلك التحرك الحاسم نحو مرحلة جديدة من النضال، حيث لا مكان للسكوت أو المساومة. الإقلاع ليس مجرد مصطلح، بل هو رمزية التغيير، دعوة للخروج من دائرة المعاناة نحو آفاق جديدة من النهوض الاجتماعي والاقتصادي. إنه دعوة للتغيير الجذري، ليس فقط في تونس ولكن في كل العالم. إقلاع نحو غدٍ أفضل للعمال، إقلاع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، إقلاع نحو فلسطين حرة مستقلة.
نحن في عيد الشغل هذا العام نعيد التأكيد على أهمية الإقلاع نحو مجتمع أفضل وأكثر عدالة. الإقلاع هو ما يحتاجه كل عامل في تونس ليحظى بحياة كريمة، وهو ما يحتاجه الشعب الفلسطيني ليعيش في وطنه بحرية. الإقلاع هو الخروج من الدائرة المغلقة التي يسعى البعض إلى إحاطتنا بها، لنبني معًا طريقًا يؤدي إلى العدالة، طريقًا نسير عليه بجانب أصدقائنا وأشقائنا في فلسطين، الذين ينتظرون منا هذا التضامن الفعلي.
أيها العمال، أيها الأحرار،
في هذا اليوم، عندما نتنفس هواء الحرية، نضع يدنا في يد فلسطين، نبني جسورًا من النضال والتضامن. في هذا اليوم، نُحيي ذكرى تأسيس اتحاد عمال تونس، الذي يظل شامخًا بفضلكم، بفضل عزيمتكم، وصمودكم. فلنقف جميعًا، من أجل العدل، من أجل الحق، ومن أجل فلسطين، لأن النضال لا يتوقف، والحرية تنتظرنا جميعًا.
"في عيد الشغل، نرفع راية الكرامة، وندعو إلى الحرية، فلسطين أولًا، وأخيرا"
في هذا العيد، في يوم الشغل، لا نحتفل فقط بما تحقق من مكاسب، بل نجدد العهد على مواصلة النضال. في هذا اليوم، نرفع صوتنا من أجل الإقلاع، من أجل عهد جديد يتجاوز التحديات ويدفع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة للعمال. ولن نتوقف حتى تنال فلسطين حريتها، حتى يحقق كل عامل في تونس حلمه في حياة أفضل. عيد الشغل هو مناسبة للوقوف معًا، نحو مستقبل أكثر إشراقًا، نحو نضالٍ مستمر لا يعرف التراجع.