الصفحة 1 من 5
ظاهرة تكون إيحاء أرستقراطيا ومكملا لمشهدية البذخ في الأوساط الراقية، وفي الأوساط الفقيرة ذات إيحاء بروليتاري ومكملا لمشهدية الرفض والثورية.
بدأت الدراسات المهتمة بانتشار الكحول تأخذ في السنوات الأخيرة منحى جديدا يضع في اعتباراته المرأة بوصفها وصلت للمساواة مع الرجال في شرب الكحول وتفوقت عليهم في المعاناة من مضارها، لا سيما مع تنامي السوق الاستهلاكية المواجهة لتأنيث مشروباتها عبر أصناف كحولية خاصة بالنساء، ورمى هذا التغيير التدريجي في علاقة المرأة بالكحول بظلاله على المجتمعات العربية وصار من القضايا المستجدة التي تحاول البرامج الاجتماعية التلفزيونية والمسلسلات طرحها ومعالجتها، وسط ذهول مجتمعي بين رافض ومؤيد.
“اسقينيها بأبي أنت وأمي، املأ الكأس ابتساما وغراما/ فلقد نام الندامى والخزامى، بأبي أنت وأمي اسقينيها/ لا لتجلو الهم عني/ أنت همي/غني واسكب غناك/ ولماك/في فمي، صبَّها مِنْ شفتيكَ في شفتيّا”، بهذه الكلمات غنت أسمهان لكؤوس الخمر، فيما قالت عنها العراقية سليمة مراد “اليوم الدنيا زهت واحنا بفرح يا ناس… القعدة وياكم حلت يالله ندير الكاس”، أما التونسية حبيبة مسيكة فتحضر بأغنية “دير المدام يا ساقي واسقيني، زرني الحبيب نقيم له حضرة، من كل طيب والكؤوس من خمرة/ تحت الشجور يحلى شرب الكأس”.
يعود تاريخ هذه الأغاني إلى بدايات القرن العشرين، حيث لم يكن دارجا، على الأقل في الأماكن العامة، في المجتمعات العربية والغربية أيضا، أن تعاقر النساء الكحول، على عكس اليوم، حيث يعد شرب الكحول بكل أصنافها أمرا عاديا في المجتمعات الغربية، في “سلوك” تسلل إلى المجتمعات العربية أيضا، وسط جدل وآراء متناقضة حول هذه الظاهرة التي تختلف أسبابها من طبقة اجتماعية إلى أخرى، ومن فئة عمرية إلى أخرى، حيث الشباب، من الفتيان والفتيات، اليوم يقبلون بشكل “عادي” على شرب الخمر في الملاهي الليلية وفي السهرات، خلافا للأجيال الأكبر سنا، التي ترى في شرب الرجل للكحول أمرا عاديا في حين تستهجن صورة المرأة الجالسة في حانة أو في مطعم وتشرب الكحول.
وبين الديني والمجتمعي تتداخل التقييمات التي أصبحت تستند أكثر على البعد العلمي حيث تشير الدراسات إلى أن لشرب الكحول مضار كثيرة، فيما يرد البعض بأن الأمر يختلف بين الشرب “المعتدل” وبين الإدمان وأن التركيز يجب أن يكون على الظاهرة الأخيرة وخطورتها، باعتبار أنها ظاهرة اجتماعية سيئة، فأن ينافس نصف المجتمع النصف الآخر على عادته السيئة له تداعيات خطيرة على صحة المرأة والأسرة والمجتمع عموما، كما أنه يخلق في المجتمعات العربية فوضى اجتماعية ويزيد من حالات التحرش بالنساء والتصادم الجندري.
ومن أحدث الأمثلة على ذلك ما حدث من جدل في تونس، المعروفة بأنها من أكثر الدول العربية انفتاحا، حين قالت ممثلة تونسية في برنامج تلفزيوني، حضره أيضا شيخ سلفي، إن الكحول “تعلمك ما معنى أن تحب غيرك.. تعلمك أن تتقاسم مع غيرك”.
وكالعادة في مثل هذه المواقف، عجّ الفيسبوك بالآراء والأفكار المتداخلة، بين مؤيدين قلائل ورافضين كثر، ومع ذلك لا يسقط من الأذهان أن الكحول تؤثث مجالس الأثرياء نساء ورجالا دون فرق.
غير أن اللافت اليوم أن نساء من طبقات معدمة أصبحن يستهلكن الكحول بأنواعها أسوة بالرجال ويتقاسمن معهم مخاطرها الصحية وأعباءها المادية.
وتعتبر المرأة العربية التي تشرب الكحول شخصا “سيئا” بسبب نظرة المجتمعات المحافظة والأعراف الدينية، إلا أن هذا الوضع بدأ يتغير شيئا فشيئا، حيث أصبح بإمكان المرأة في بعض المدن الكبرى ارتياد الحانات أو شراء الكحول من المحلات العمومية.
وكان تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية حول استهلاك المواد الكحولية في الوطن العربي عام 2017، بمناسبة اليوم العالمي للتوقي من الاستهلاك المفرط للمواد الكحولية، كشف أن تونس في صدارة الدول العربية الأكثر استهلاكا للكحول والخامسة عالميا، لا سيما في السنوات الأخيرة التي تلت اندلاع ثورة يناير 2011.
ومثّل تزايد عدد التونسيات المستهلكات للكحول، ليس فقط كسرا للاحتكار الذكوري لهذه العادة السيئة، بل ومهربا للكثيرات من مشكلاتهن الاجتماعية وصعوبة ظروفهن المادية، وإن كان لا توجد نسب دقيقة تؤكد ارتفاع نسبة المستهلكات لا سيما من المنتميات للطبقات المتوسطة والفقيرة عدا بعض الريبورتاجات المصورة والمحملة على موقع يوتيوب، علما وأنه تم حذف الكثير منها في الفترة الأخيرة، إلى جانب صور وفيديوهات تم تداولها على نطاق واسع بين نشطاء موقع فيسبوك تظهر تقاسم عائلات فقيرة بمن فيها النساء للكحول بالتركيز على أنها من النوع الرخيص نظرا لقلة يد المستهلكين.
وصرح حسن الزرقوني مدير سيغما كونساي (مؤسسة تعنى بسبر الآراء)، العام الماضي، أن ما بين 5 و10 بالمئة من التونسيات يستهلكن المشروبات الكحولية بشكل منتظم، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بباقي الدول العربية.