الصفحة 2 من 5
جدلية التشخيص والتجريد
لقد تراوحت محفورات الضحّاك بين التشخيص والتجريد، وبين الالتزام بالواقع الوصفي التقريري والابتكار لما هو مغاير للمألوف : فمثلت جل أعماله نقلا عن نموذج حي أو التأليف بالخيال: كما هو الشأن في مجموعة "الطيور" و"الجمال"، التي ركز فيها على اقتناص الحركة أو تسجيل لقطة ما في لحظة ما، فجاءت أعماله عبارة عن مشاهد يومية ببصمة ذاتية تطبع خصوصية إبراهيم الضحّاك، ومن بين محفوراته المتعلقة بأطروحة الجمال (العائلة – المرعى – حامل الخيمة والعائلة – الناقة والجمل) فهي مقاربة لمجموعة من المشاهد مقتبسة من الصحراء باعتباره كان يحلّ كضيف شرف في مهرجان دوز السنوي، وفي هذا الإطار يقول: "أستنبط مواضيع لوحاتي من التاريخ أولا ومن الواقع المعيش والمظاهر الحياتيّة اليومية ومن الذات ثانيا، أجتهد في تجسيدها من منظوري التجريدي الخاصّ..."(1) وبذلك تعدّدت مواضيعه بتعدّد أماكن تنقله، بحيث كان كثير التأثر بأجواء المكان الذي يزوره، فجعل من الترحال بحثا عن مفردات تشكيلية مرتبطة بإحساساته.
اهتم بالصحراء وأجوائها وتقاسيم المرأة البدوية والأساطير والخرافات التي كان يسمعها، وإثر تحوله إلى سيدي بوسعيد تأثر بالمكان، فكان يرصد العصافير المهاجرة ويشاهد حركاتها التي استمدّ منها موضوعا لبحثه، فيه مراوحة بين الاقتراب من الواقع والانغماس في درجة من درجات الرمزية، فاخذ من الواقعية أدقّ تعابيرها. وفي هذا الصدد يصرّح الضحّاك بقوله: "أنقل الواقع من منظور تجريدي وبفكر تجريدي، والمشاهد يصنّف أعمالي ضمن المدرسة الواقعيّة، في حين لا أراها واقعيّة بل تجريديّة وهنا تكمن حيرتي الإبداعية في ذلك التمزّق بين الواقعيّة والتجريديّة، لأن الفنّ تجريدي أو لا يكون، ولأن غاية الفنّ هي الإضافة والسبيل الأوحد إليها هو التجريد"(1)، ومن هذا المنطلق الفكري، جعل الضحّاك محفوراته نقلا للواقع بمنظار تجريدي، أراد من ذلك بلوغ أهداف تعبيريّة تتعلق بإبراز الأصالة والبحث عن التجديد وبلوغ الأفضل، والأهمّ من ذلك استجلاء نوازع ذاتيّة ورغبات يتوق إلى تحقيقها، فاتخذ من خصوصيّة الحفر وسيلة لبلوغها، ومن هنا تتجلّى رمزية الموضوع.