اختر لغتك

لماذا لا تسترد تونس ابنها المنفي بيرم التونسي؟

لماذا لا تسترد تونس ابنها المنفي بيرم التونسي؟ - في الطريق إلى المنفى

في الطريق إلى المنفى
 
قرر بيرم الزواج وهو في السابعة عشرة من عمره، ولكن سرعان ما كشرت الحياة عن أنيابها؛ باع المنزل الذي تركه له أبوه، وتفرغ للعمل في تجارة السمن.
 
وما أن استقر في عمله الجديد، حتى فوجئ يوما بالمجلس البلدي في الإسكندرية يحجز على بيته، ويطالبه بمبلغ كبير، عوائد عن سنوات لا يعلم عنها شيئًا؛ وكأنما الدنيا أرادت، بهذا الحادث الدرامي، أن تمهد لولادة فنان كبير.
 
اغتاظ بيرم، وقرر أن يرفع راية العصيان، وما أحلاها من راية، ضد المجلس البلدي فكانت قصيدته: “يا بائع الفجل بالمليم واحدةً، كم للعيال وكم للمجلس البلدي، كأن أمي بلَّ الله تربتها أوصت، فقالت: أخوك المجلس البلدي، أخشى الزواج فإنْ يوم الزفاف أتى، يبغي عروسي صديقي المجلس البلدي، أو ربما وهب الرحمن لي ولدًا، في بطنها يدعيه المجلس البلدي”.
 
نشرت القصيدة كاملة بجريدة “الأهالي” في الصفحة الأولى، وكانت أول قصيدة تُنشر لبيرم، وقد طُبعت من العدد أربعة آلاف نسخة، وكانت النسخة تباع بخمسة مليمات، وأحدث نشرها دوياً؛ فلم يعد في الإسكندرية من لم يتكلم عنها، أو يحفظها أو يرددها.
 
لم يكتف بيرم بنشرها في الصحيفة، بل أصدر كتيبًا يتضمنها، باعه بخمسة مليمات للنسخة الواحدة، فراج رواجًا عظيمًا، وطبعت منه مئة ألف نسخة، وهكذا وجه القدر بيرم إلى مهنة الأدب.
 
وشعر بيرم بعد هذا النجاح الأدبي أنّ إمكاناته أكبر من المدينة التي يعيش فيها، فشدّ الرحال إلى القاهرة، بحثا عن مجال أرحب، وعن وسط ثقافي وسياسي يتبنى مواهبه.
 
علاقة بيرم الجادة مع السياسة بدأت بتعرفه على سيد درويش، يقول: “لازمت الشيخ سيد درويش، وألفت له رواية “شهرزاد”، وتم عرضها بعد رحيلي الأول منفيًّا إلى الخارج”.
 
وكان سيد درويش قد طلب من بيرم أن يؤلف له أوبريت، تُلهب الحماسة في نفوس المصريين، وتدفعهم إلى مناهضة الاحتلال: “دائمًا حجة الإنجليز أمام العالم، لتبرير استعبادنا، أننا شعب ضعيف لا يستطيع حكم نفسه وأننا بحاجة إلى حماية مستمرة، وعلشان كده أنا شايف إن الأوبريت، من أولها إلى آخرها، لازم يكون فيها تمجيد للإنسان المصري”.
 
وهذا ما حصل، كتب بيرم ما يعتبره البعض أروع ما كتب في شعب مصر: “أنا المصري كريم العنصرين، بنيت المجد بين الأهرمين، جدودي أنشأوا العلم العجيب، ومجرى النيل في الوادي الخصيب”.
 
صدر بعدها أمر بإبعاد بيرم التونسي عن مصر، ونفيه إلى تونس بلد أجداده، يوم 25 أغسطس عام 1920، وكان سبب الإبعاد غضب الملك فؤاد عليه، بسبب قصيدته “البامية الملوكي والقرع السلطاني”، وبتوصية من زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد.
 
وكان بيرم قد أصدر خلال تلك الفترة صحيفتين ساخرتين، “المسلة” و”الخازوق”، وتمرس بالعمل الصحفي. وما إن وصل إلى تونس حتى بحث عن أهل أبيه، الذين رفضوا مساعدته. وحاول الاتصال ببعض الكتاب للاشتراك معهم في إصدار صحيفة، ولكن السلطات التونسية كانت تضعه تحت المراقبة، فالدعاية التي سبقته إلى تونس تقول إنه أحد الثوار ضد الإنجليز، فيقرر الرحيل من تونس بعد أربعة أشهر.
 
سافر إلى فرنسا متنقلا بين مرسيليا وباريس، التي شعر فيها بقسوة الغربة ولسعة البرد، لكن هذا لا يعطل الناس عن الاستيقاظ مبكرا، والتوجه إلى العمل. ودفعه ذلك إلى كتابة أبيات سجل فيها إعجابه بنشاط الشعب الفرنسي، وسجل فيها أيضا حزنه على مصر: “الفجر نايم وأهلك يا باريس صاحيين، معمرين الطريق داخلين على خارجين، ومنورين الظلام راكبين على ماشيين”.
 
يفشل بيرم في الحصول على عمل في باريس، فيشد الرحال إلى مدينة ليون، التي وصفها في مذكراته بقوله  “مدينة لأهلها قلوب مثل الصلب، لا تعرف الرحمة أو الشفقة”.
 
وهناك خَبِر الجوع، بعد أن تعرض لحادث أبعده عن العمل، والجوع في مدينة درجة حرارتها تحت الصفر، كما يقول، شيء قاتل لا يدركه إلا من ذاق مرارته.
 
يشعر بالحنين إلى مصر، فيبحث عن طريقة للعودة؛ يختصر اسمه في جواز سفر جديد يحمل ختم القنصلية البريطانية، ويصعد سفينة متجهة إلى مصر.
 
تكتشف سلطات الاحتلال دخوله مصر متسللًا، بعد 14 شهرا من التخفي؛ يُلقى عليه القبض، ويوضع على ظهر أول سفينة متجهة إلى فرنسا.
 
 

آخر الأخبار

أزمة احتكار السلع وارتفاع الأسعار في تونس بين غياب الرقابة الجادة وضرر المواطن

أزمة احتكار السلع وارتفاع الأسعار في تونس بين غياب الرقابة الجادة وضرر المواطن

شيرين اللجمي تخوض تجربة جديدة بأغنيتها المغربية "كي ليوم كي غدا"

شيرين اللجمي تخوض تجربة جديدة بأغنيتها المغربية "كي ليوم كي غدا"

حكم بالسجن 3 سنوات وغرامة 30 ألف جنيه على الفنان سعد الصغير بتهمة حيازة مواد مخدرة

حكم بالسجن 3 سنوات وغرامة 30 ألف جنيه على الفنان سعد الصغير بتهمة حيازة مواد مخدرة

الحكم بالسجن 6 سنوات وغرامة نصف مليون دينار في قضية استيلاء على أموال عمومية

الحكم بالسجن 6 سنوات وغرامة نصف مليون دينار في قضية استيلاء على أموال عمومية

الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يعبر عن معارضته لتوريد البطاطا ويطالب بمراقبة الجودة

الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يعبر عن معارضته لتوريد البطاطا ويطالب بمراقبة الجودة

Please publish modules in offcanvas position.