الصفحة 2 من 4
صراع التحديث
في شخصية صباح فخري يتجسد صراع الحداثة مع التراث، وفي مسيرة حياته منذ البداية، كان نقل الأداء الإنشادي من طبيعته الدينية إلى الساحة الفنية مسألة حياة أو موت لطرفين أساسيين حينها، المحافظون من رجال الدين، والمجددون مثل البارودي وتلاميذه. وكانت قصص رقص السماح، الصوفي والمخصص للرجال حتى ذلك الحين، والذي نقله البارودي إلى مدارس البنات خير دليل على ذلك. السماح الذي برع فيه صباح فخري وبقي محافظاً عليه حتى آخر سنين عمره يؤديه أمام الجمهور في حفلاته على خشبات المسارح، إضافة إلى الرقصات الرجالية الفلكلورية الحلبية.
ومن عالم الموشحات انطلق صباح فخري، فتعلّم أصول الصنعة على يد الأسطوات الكبار مثل الشيخ والشيخ عمر البطش وعلي الدرويش، ثم الموسيقيين الذين لا يكاد يذكرهم أحد اليوم مثل، مجدي العقيلي ونديم وإبراهيم الدرويش وعزيز غنّام. والأخير لا يعرف الكثيرون أنه هو صاحب اللحن الشهير “حامل الهوى تعبُ. يستخّفه الطربُ، إن بكى يحقّ له، ليس ما به لعبُ” والذي غناه صباح فخري بنفسه وغنّته مطربة حلب الراحلة زكية حمدان من كلمات أبونواس، لكنه نُسب لاحقاً إلى الأخوين رحباني بعد أن غنته فيروز.
ولأن حلب ليس قلعة حجرية وحسب، بل هي قلعة للموسيقى العربية بأسرها، فقد بقي صباح فخري ينهل منها طوال رحلته الفنية التي مرّت بمراحل عديدة بقي فيها دوماً ذلك المتمسك بالقدّ، والقدّ في الموسيقى ثابت جوهري لا يمكن الخروج عنه، مهما تنوعّت وتعدّدت أساليب المؤدي أو حتى أغراضه من أداء القطعة الغنائية. وكان أول موالٍ يؤديه صباح فخري، بعيدا عن الإنشاد الديني هو “غرّد يا بلبل وسلّ الناس بتغريدك”، بعدها قاده الشغف إلى الموشحات فقدم له الملحن السوري الراحل محمد رجب أول موشح في حياته وكان “يا هلالاً غاب”.