نفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعيده وقام، إلى جانب بريطانيا وفرنسا، بقصف مواقع لنظام الأسد في سوريا؛ رداً على مجزرة دوما التي راح ضحيتها العشرات السبت 7 أفريل 2018.
المواقع التي استهدفها التحالف الثلاثي، فجر السبت 14 أفريل 2018، بحسب الإعلام الروسي شملت كلاً من اللواء 105 التابع للحرس الجمهوري، وقاعدة دفاع جوي بجبل قاسيون، ومطاري المزّة والضمير العسكريين، ومقراً للبحوث العلمية، واللواء 41 التابع للقوات الخاصة، وجميعها في العاصمة دمشق وريفها.
كما استهدف القصف مواقع عسكرية قرب الرحيبة في القلمون الشرقي ريف دمشق، ومواقع في منطقة الكسوة في ريف دمشق، ومقر البحوث العلمية في ريف حماة، ومستودعات عسكرية في حمص.
وكانت لافتة التصريحات الروسية التي اعتبرت الضربات "إهانة" لشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتحميل السفير الروسي لدى واشنطن، أناتولي أنتونوف، الدول الثلاث المسؤولية عن عواقب الضربات.
الرئيس الأمريكي كان واضحاً عندما قال: إن "العمليات الجارية جاءت بسبب فشل روسيا في منع ديكتاتور سوريا بشار الأسد من استخدام الكيمياوي".
كما حذر الرئيس الأمريكي روسيا وإيران بخصوص علاقاتهما بالنظام السوري، مشيراً إلى أن "أمريكا لا تسعى لوجود لأجل غير مسمى في سوريا".
أكبر لكنها محدودة
اللافت أيضاً في هذه الضربة أنها كانت أشمل من ضربة العام الماضي، عندما استهدفت واشنطن وحدها قاعدة الشعيرات العسكرية؛ رداً على مجرزة خان شيخون الكيماوية حينها.
فتصريح هيئة الأركان الأمريكية كان واضحاً بأن واشنطن لم تُعلم موسكو عن الأهداف التي ستستهدفها، بخلاف ما جرى العام الماضي أيضاً.
لكن هناك خيبة أمل ملموسة في أوساط السوريين المناوئين للأسد، خاصة أن تغريدات ترامب كانت توحي بأن هناك ضربة ساحقة تنتظر الأسد لتشفي غليلهم، خاصة ضد المطارات التي باتت مطارات تحمل الموت إليهم.
يقول عمرو السرّاج، المحلل في الشؤون السورية - الأمريكية، إن الرد الغربي كان معروفاً سلفاً أنه لا يهدف لإسقاط النظام، مضيفاً: "بالنسبة لبشار الأسد هناك قناعة لدى واشنطن تحديداً أن إسقاطه لم يعد ممكناً عسكرياً، وهناك محاولات لإخراجه سياسياً من خلال ضغوطات قد تستمر خلال العامين القادمين".
ولفت السراج في حديث لـ"الخليج أونلاين" إلى أن قائمة المناطق التي ضربت هذه المرة "أكبر وأكثر تأثيراً".
وتهدف لثلاثة أمور هي: "معاقبة الأسد على استخدام السلاح الكيماوي، وضمان عدم استخدامه هذا السلاح مجدداً من خلال قواعد ومقرات مرتبطة مباشرة بهذا الأمر".
وأخيراً، يقول السراج: "هي رسالة للجانب الروسي بأننا قادرون على ضرب الأسد وفرض اعتبارنا، دون اكتراث بأي تهديد لنا".
من جهته قال الدكتور باسل الحاج جاسم، الخبير في الشؤون الدولية، إنه "لا بد من التساؤل عن حقيقة ما تريده واشنطن في سوريا"، مبيناً في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن ترامب في تصعيده الكلامي "لم يحدد هدفاً لتدخله العسكري، أو إن كان يخطط لضربة عسكرية موجهة ضد أهداف معينة، أم لحملة كبرى يكون هدفها إسقاط الأسد".
وأضاف: "من الواضح اليوم أن ما يجري حول سوريا ليس سوى جولة أخرى يحاول فيها كل لاعب تقوية موقفه".
وتابع: "واشنطن تسعى لتعزيز مكانتها، لا سيما بعد التفاهمات الثلاثية الروسية التركية الإيرانية، وكذلك بريطانيا التي انضمت للضربة العسكرية الأمريكية، وهي تريد تصفية حسابات مع موسكو لا علاقة لسوريا بها، وفرنسا التي يريد ماكرون إيجاد موطئ قدم لها في مستقبل سوريا".
نقطة تحول
وقبل أيام قليلة فقط كان ترامب ينوي مغادرة سوريا لولا ضغوطات من جانب القادة العسكريين الذين ثنوه عن ذلك.
وعقب مجزرة دوما فقد عمد ترامب إلى تعميق الدور الأمريكي في سوريا، وحشد تحالفاً من القوات البريطانية والفرنسية لمهاجمة الأسد.
وقال مساعدو ترامب لوكالة "رويترز": إن "موقفه تغير لأنه شاهد صور السوريين الذين قتلتهم الأسلحة الكيماوية يوم السبت الماضي، فمثل هذه الأشياء تثير غضبه".
وسبق ضربات التحالف الذي شكّله ترامب كلام لصحيفة "وول ستريت جورنال"، ذكرت فيه أن ترامب رفض كل الخيارات التي قدمت له من جانب البنتاغون، وكان يريد رداً شاملاً يشمل قوات روسية وإيرانية.
ويرى السراج أن "الجو العام لجمهور ترامب والمقربين منه يرى ما يجري في سوري من منظور إيديولوجي؛ فكثيرون أيدوا الضربة لتشمل روسيا خصوصاً مستشاره الجديد للأمن القومي جون بولتون، واعتبروا أنها (روسيا) المسؤولة عن استمرار هذه المأساة التي تؤثر أيضاً على سير المصالح الأمريكية".
لكن في خطابه الذي أعلن من خلاله بدء الضربات الجوية، جدد ترامب رغبته في انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الذي وصفه بأنه "مكان مضطرب".
وقال ترامب: "سنحاول أن نجعله مكاناً أفضل، لكنه مكان مضطرب، الولايات المتحدة ستكون شريكاً وصديقاً، ولكن مصير المنطقة يظل بأيدي أبنائها، خصوصاً السوريين مصيرهم بأيديهم".
وتوقع السراج ألَّا تنخرط واشنطن أكثر في الحل السوري، "وربما تكتفي بإعطاء ضوء أخضر للجانبين التركي والأردني لتثبيت مناطق نفوذ، إلى حين تبلور رؤية شاملة للحل".
ولفت إلى أن "الأسد لم يعد سيد المشهد في سوريا كما كان قبل الثورة، فجيشه في حالة إنهاك بعد سبع سنوات من الحرب، وفوق ذلك، تحول إلى مليشيات أخرى هدفها حماية الرئيس وطائفته، قبل أي شيء آخر".
بدوره قال الحاج جاسم: إنه "من الصعب التكهّن بتأثير الضربات على مسار الحل السياسي خصوصاً جنيف لعدة أسباب؛ أهمها أن الضربة لم تستمر لإجبار الأطراف على السير قدماً بمسار الحل السياسي في جنيف".
وأضاف: "بحسب ما أعلنته روسيا فإن الضربة لم يكن لها تأثير كبير، يعني ربما نرى، على العكس، مماطلة أكثر في مسار جنيف. وبالمختصر علينا ألَّا نعطي ما حدث أكثر ممَّا يستحقه".
تقاسم الكعكة
الضربات الثلاثية التي نفذت أيضاً حصرت الأهداف ضد نظام الأسد بدقة، حتى لا تشمل مناطق وجود القوات الروسية؛ خشية أن تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو.
ويشير مراقبون إلى أن واشنطن لا ترغب في حمل ثقل الحرب السورية بل تكتفي بالسيطرة على المواقع التي تهمها في سوريا، وهو استمرار لسياسة الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي حمّله السفير الأمريكي السابق روبرت فورد مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في سوريا، في حين وقف حلفاء الأسد خلفه بمنتهى القوة.
فورد، الذي كان آخر سفير للولايات المتحدة في دمشق، قال في يونيو 2017، إن الإدارة الأمريكية خدعت السوريين عندما جعلتهم يعتقدون أنها ستدعمهم، ثم ما لبثت أن تراجعت عن تقديم هذا الدعم وتركتهم في مواجهة البراميل المتفجرة.
ولاحقاً قال فورد لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، إن الرئيس دونالد ترامب "يريد تقليص النفوذ الإيراني في سوريا"، مضيفاً: "الرئيس لا يعرف أن اللعبة انتهت، تأخروا كثيراً، أوباما لم يترك لإدارة خلفه الكثير من الخيارات لتحقيق هدفه".
اللعبة انتهت كما يقول فورد، لكن المحلل السياسي بسام الأحمد يختلف مع هذه الرؤية؛ إذ يرى أن واشنطن قادرة على قلب الطاولة لكن لا توجد لديها الإرادة وقد اكتفت بالجزء الذي يهمها.
وتابع الأحمد في حديثه لـ "الخليج أونلاين" أن ترامب "لا يرى جدوى لانخراط بلاده في صراع على غرار حرب العراق، لتغيير نظام بالكامل؛ وذلك بسبب ارتفاع التكلفة المادية بالدرجة الأولى، وخشية عدم وجود بديل قوي قادر على ضبط الحدود لا سيما مع إسرائيل".
وأيضاً هناك مخاوف من عودة داعش، كما يقول الأحمد، مضيفاً: "من هنا نرى أن الوضع سيبقى على حاله ضمن مناطق تثبيت نقاط نفوذ حتى تنشيط مفاوضات جنيف من جديد، لكونه المسار الوحيد الذي يتفق عليه المجتمع الدولي".
واستبعد الأحمد أن تؤدي هذه الضربات إلى تقارب في وجهات النظر بين روسيا وأمريكا حول الحل في سوريا.
وقال: "ما جرى يؤكد أن لا صحة لأي حديث سبق عن تفاهم روسي أمريكي في سوريا، وأن ما بينهما فقط هو عدم تصادم داخل سوريا لكنه ذاهب إلى مزيد من التنافر بينهما، ريثما يرسم واقع جديد يفرض نفسه على الجميع".