قانون الممارسات الدينية الصادر عام 2006 يعتبر آخر نص تشريعي في البلاد ينظّم الممارسات والشعائر الدينية.
الجزائر - شحنت بعض قرارات غلق أماكن العبادة المخصصة للمسيحيين في الجزائر التوتر الشعبي في البلاد، وأثارت ردود أفعال تتهم السلطة بالتضييق على الحريات الدينية ومخالفة الحق في ممارسة الشعائر الدينية.
وتعرضت العديد من أماكن العبادة المخصصة للمسيحيين في الجزائر في عدد من محافظات ومدن منطقة القبائل إلى التشميع من طرف السلطات الأمنية، بدعوى مخالفتها لأحكام القانون المنظم للحريات الدينية الصادر عام 2006، ما أثار غضب معتنقي الديانة المسيحية في المنطقة المذكورة.
وينتظر في بحر هذا الأسبوع غلق أكبر كنيسة في البلاد، تقع في ضاحية المدينة الجديدة بمدينة تيزي وزو (120 كلم شرقي العاصمة)، بقرار من السلطات المختصة قامت مصالح الأمن بتبليغه لمسؤولي الكنسية، وهو ما تم تداوله على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي.
ونظم مسيحيون جزائريون يوم 9 أكتوبر الجاري وقفة احتجاجية أمام مقر ولاية بجاية مارسوا خلالها عددا من شعائرهم، وطالبوا باحترام حرية المعتقد، ورفعوا شعار “نعم لحرية العقيدة دون مضايقات”، منددين في الوقت نفسه بحملة تشميع الكنائس بالولاية. ورغم غياب إحصائيات رسمية حول تعداد المعتنقين للمسيحية في المنطقة، إلا أن مصادر محلية تتحدث عن المئات من الملتحقين بحملات التبشير السرية التي تقوم بها الكنسية البروتستانتية، من خلال تحفيز السكان على اعتناق الديانة المسيحية.
وتعتبر منطقة القبائل الحاضنة الأولى في البلاد التي ظهر فيها معتنقون للمسيحية خلال السنوات الأخيرة، وقام هؤلاء بإقامة أماكن سرية لممارسة طقوسهم وعباداتهم، رغم أن القوانين الناظمة تتطلب الحصول على ترخيص إدراي من السلطات المختصة.
وبرزت خلال الفترة خطابات عدوانية، غذّتها شبكات التواصل الاجتماعي، بين الأقلية المسيحية العلمانية المحسوبة على الشارع المنتفض ضد السلطة منذ ثمانية أشهر، وبين الموالين للنظام القائم، المعروفين بتيار الأغلبية النوفمبرية الباديسية، والتيار الإصلاحي التاريخي الذي تزعمته جمعية علماء المسلمين الجزائريين بقيادة عبدالحميد بن باديس.
وأخذ الشحن السياسي بين الطرفين، أبعادا فكرية وأيديولوجية، حيث تحاول كل جهة توظيفه لصالحها، ففيما يعتبره المتمسحون الجدد قمعا للحريات الدينية وتطرفا إسلاميا تقوده السلطة، يتهمهم أنصار السلطة القائمة بالعمالة لدوائر خارجية تستهدف وحدة وتماسك البلاد والمجتمع.
وكانت تقارير حقوقية قد انتقدت بشدة ما أسمته “الرقابة والتضييق على الحريات الدينية والمذهبية من طرف السلطات الرسمية، وعدم احترام حقوق الأفراد في المعتقد الديني الذي يريده”، وشددت الإدارة الأميركية في أكثر من تقرير على ضرورة فسح المجال أمام الحريات الدينية في الجزائر.
وصدرت خلال السنة الماضية عدة بيانات من منظمات حقوقية محلية، بينها الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وأخرى تمثل المسيحيين، تتحدث عن قيام سلطات البلاد بـتشميع مقار كنائس بعدة محافظات، أغلبها بمنطقة القبائل شمالي البلاد.
ويعتبر قانون الممارسات الدينية الصادر عام 2006، آخر نص تشريعي في البلاد ينظّم الممارسات والشعائر الدينية، حيث اشترط ممارسة الطقوس الجماعية بالحصول على ترخيص من الجهات الوصية، وحظر فتح الأماكن السرية أو استغلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع للقيام بحملات التبشير.
ويرى الباحث والمؤرخ محمد أرزقي فراد، بأن منطقة القبائل تعتبر من أكثر المناطق تمسّكا بالدين الإسلامي، حيث تضم أكبر عدد من المساجد والزوايا والمدارس القرآنية، منذ حقبة الاستعمار إلى غاية الآن، ولذلك فهي ذات أولوية في حملات التشجيع على اعتناق الديانة المسيحية انطلاقا من الخصوصيات اللغوية والثقافية للمنطقة.
وتمثل ضاحية “لافيجري” بالعاصمة، نسبة إلى أكبر تجمّع مسيحي خلال حقبة الاستعمار الفرنسي بقيادة الكاردينال لافيجري، والتي صارت تسمى بعد الاستقلال “المحمدية”، أحد تجليات الصراع الديني في البلاد بين الاستعمار والأهالي، لاسيما بعد قرار السلطات العام 2012، إقامة أكبر مسجد في الجزائر بالضاحية، وهو المعلم الديني الذي انتقدته دوائر فرنسية خلال السنوات الماضية بسبب إقامته في حاضنة أحد الرموز المسيحية.
صابر بليدي
صحافي جزائري