أنقرة تدرب مجموعة من القوات الخاصة القطرية على القنص والتخفي في وقت تسربت فيه تركيا إلى مواقع أمنية حساسة في قطر.
إزمير (تركيا) - عكس الإعلان عن تلقي مجموعة من القناصة القطريين تدريبات على يد خبراء أتراك مدى التغلغل التركي في المؤسسات الأمنية القطرية بما فيها تلك التي تكتسي حساسية خاصّة مثل الفرق المختصّة في حماية كبار الشخصيات وتأمين المؤسسات السيادية للدولة.
واتّجهت أنقرة في إطار العلاقات الاستثنائية التي باتت تجمعها بالدوحة، نحو ربط قطر بتركيا في عدّة مجالات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، بما يفتح الطريق للأتراك للوصول إلى الثروة القطرية الضخمة المتأتية من تصدير الغاز الطبيعي.
وعلى الطرف المقابل انساقت قطر المعزولة عن محيطها المباشر بفعل مقاطعة أربع دول عربية لها على خلفية دعمها للتنظيمات المتشدّدة والإرهابية، إلى البحث عن فكّ عزلتها عبر توطيد علاقاتها بكل من إيران وتركيا اللتين تفوقانها حجما وقدرات في مختلف المجالات، الأمر الذي يصفه قطريون بـ“المقامرة” كونه يعرّض البلد للابتزاز من قبل دولتين لطالما أظهرتا قدرا كبيرا من النفعية والانتهازية.
وبحسب بعض الأصوات القطرية المعارضة فإن المقامرة تزداد خطورة عندما يتعلّق الأمر بالمجال الأمني والدفاعي. ويقول هؤلاء إنّ تركيا تسرّبت بالفعل إلى مواقع أمنية حساسة في قطر وأنّ خبراء وجنودا أتراكا يشاركون في حماية أشخاص ومؤسسات من أعلى مستوى.
وقالت وكالة الأناضول، إنّ الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” أشرفت على تنظيم دورة تدريبية لمجموعة من القوات الخاصة القطرية في مدرسة الدرك للقوات الخاصة الكوماندوز في مدينة إزمير غربي تركيا.
وأوضحت أنّ التدريبات تمت على أيدي مدربين وخبراء أتراك وشملت مجال الاستطلاع، والقنص والتخفي بعد الاستهداف، ومعلومات تقنية أخرى حول الأسلحة والمعدات العسكرية المستخدمة من قبل القناصين. وتمّ التدرّب على بندقية القنص تركية الصنع “جي.مي.كي بورا 12”.
ودخلت قطر بما تمتلكه من مقدّرات مالية ضخمة سوق السلاح التركي، الأمر الذي يتيح لأنقرة إيجاد سوق مضمونة لأسلحتها غير القادرة على المنافسة في سوق السلاح العالمي حيث تتنافس قوى عريقة في ميدان صناعة الأسلحة.
ومطلع العام الجاري نشر موقع “نورديك مونيتور” السويدي المتخصّص في “رصد وتقديم تقارير عن التطرف والإرهاب والجريمة والسياسة الخارجية والأمن والمسائل العسكرية”، وثيقة تظهر منح اتفاق موقّع بين الدوحة وأنقرة، الجانب التركي امتيازات وصلاحيات واسعة تتيح له مجال التدخل العسكري في قطر دون ضوابط واضحة في تحديد المهمّات وطبيعتها ومداها وسقفها الزمني، كما تعطي العسكريين الأتراك، حصانة كاملة من المحاسبة من قبل قطر عن أي أخطاء أو تجاوزات يقومون بها أثناء تنفيذ “مهمّاتهم” على الأراضي القطرية.
وبيّنت الوثيقة أنّ الاتّفاق يتيح لأنقرة نشر الآلاف من الجنود الأتراك على الأراضي القطرية. ويلفت أحد البنود الانتباه بنصّه على عدم جواز ملاحقة أي جندي تركي متواجد في قطر ولا محاكمته في حال ارتكابه أي انتهاكات قانونية. ووصفت دوائر قانونية هذا البند بأنّه يشكّل انتهاكا واضحا للسيادة القطرية، فيما نبّهت أوساط عسكرية وسياسية إلى أنّه مستوحى من اتفاقيات “الحماية” و”الانتداب” التي فرضتها قوى استعمارية على بلدان المنطقة وضمّنتها تحصين جنودها من أي ملاحقة قانونية على أراضي المستعمرات.
وأشارت وثيقة “نورديك مونيتور” الذي يتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرّا له، إلى أن هذه الاتفاقية التركية القطرية، لا تجيز أن يتم اللجوء إلى أي طرف ثالث سواء كان دولة أو منظمة دولية من أجل فض المنازعات أو الخلافات التي يمكن أن تنشأ عنها.
ورأت دوائر عربية في هذا البند، أنّه يجعل قطر وحيدة في مواجهة قوّة تفوقها حجما وقدرات في مختلف المجالات، ويقفل عليها باب الاستعانة بأي منظمة دولية، وتساءلت إن كان الاتفاق صيغ بشكل مشترك أم أنّه صيغ من قبل الجانب التركي وحده، وعُرض على القطريين للتوقيع.
وتلتقي قطر مع تركيا في دعمهما للجماعات المتشددة والإرهابية ما عرّض علاقاتهما مع العديد من بلدان المنطقة والعالم إلى هزات وتراجعات.
وعرّضت سياسات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بلاده إلى خسائر اقتصادية ومالية مباشرة، ويبدو أن له فرصة للتعويض عن بعض الخسائر من أموال الغاز القطري.
ويمثّل الاتفاق العسكري السرّي الذي كشف عنه الموقع السويدي، جزءا من سلسلة أطول من الاتفاقات السرية التي حرصت تركيا على أن تقيّد بها قطر، لضمان الإبقاء على عزلتها الخليجية والعربية.
وسبق الكشف عن طريق مصادر تركية موثوقة عن إبرام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تفاهمات لدمج أجهزة الأمن التركية والقطرية في عمليات تأمين كأس العالم 2022 الذي تحوّل إلى عبء كبير على السلطات القطرية.
وقال مصدر مطلع على الاتفاقات التي انبثقت عن اجتماع سابق للجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا وشارك فيه إلى جانب أردوغان والشيخ تميم خبراء ومسؤولون من البلدين، إنّه جرى وضع آليات لتسليح “الجيش القطري” بأسلحة تركية وإرسال خبراء أتراك لتدريب الجنود القطريين على استخدام تلك الأسلحة.