تفكير غريب
يستوقفنا تفكير المماليك الغريب في عدم استخدام البندقية كسلاح جديد في الحرب، على الرغم من معرفتهم بظهوره في أوروبا واستخدام العثمانيين له، مع قدرتهم على ذلك، فأسبابهم التي ساقها ابن زنبل لعدم استخدامه، تحتاج إلى دراسات حقيقية للبحث في مدى صدق هذه الأسباب، وكيف تكونت رؤيتهم للأمر، خاصة أنهم كانوا يعرفون ويستخدمون المدافع، فلماذا يستبيحون استخدام المدافع ويرفضون استخدام البنادق؟ وهل لذلك علاقة فعلاً باتباع سنة النبي، أم يتعلق الأمر بتعودهم على تقنية القتال القديمة، أم أي سبب آخر؟
بل إن موقف ابن زنبل نفسه غريب من الموضوع فهو يعلق على استخدام العثمانيين البندقية قائلاً نفس مقولة المماليك ومبررًا هزيمتهم بأنه “ما ضرهم إلا البندق، فإنه يأخذ الرجل على حين غفلة، لا يعرف من أين جاءه، فقاتل الله أول من صنعها، وقاتل من يرمي بها على من يشهد لله بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة”.
فكيف رأى علماء وفقهاء مصر والشام هذا الأمر، يحتاج ذلك لدراسات وتفتيش في تفاصيل تلك الفترة، لنفهم كيف تكونت رؤية أمراء وعلماء هذا العصر لتلك القضية العسكرية التي كانت أحد أوجه تغيير تاريخ المنطقة العربية، ليس في زوال دولة المماليك وتبعية المنطقة للعثمانيين لقرون حتى زوال خلافتهم، ولكن لعلاقة هذا الأمر بما أسماه ابن زنبل “سنة النبي وسنة النصاري” التي تسبب سوء فهمها في خسائر فادحة لأمتنا العربية في علاقتها بالغرب الغازي فيما بعد وفي دخولها عالم الحضارة الجديدة، حتى يومنا هذا.