سوسة – أبريل 2025
بعد غياب دام ست سنوات، عاد مهرجان سوسة الدولي لفيلم الطفولة والشباب ليشغل مجددًا موقعه في المشهد الثقافي التونسي والدولي، ويُعلن من جديد أنّ للسينما دورًا تربويًا يتجاوز الفرجة، ويُعانق التغيير الاجتماعي والفكري، خاصة حين تُوجّه للطفل والشاب.
مقالات ذات صلة:
"The Amateur" في تونس: رامي مالك يشعل صالات السينما بمهمة انتقامية مشوّقة!
الفيلم التونسي "رؤوس محترقة" يُشارك في مهرجان برلين السينمائي الدولي
النافورة: قصة نضال وجدل سياسي في قاعات السينما التونسية بداية من اليوم
السبت 12 أفريل 2025، كان المسرح البلدي بسوسة شاهدًا على لحظة استثنائية، لحظة اختتام الدورة الرابعة عشرة لمهرجان "الفيفاج" التي نظمتها جمعية المهرجان تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية. كان الختام احتفاءً بفن يطمح إلى ما هو أبعد من الترفيه، بفن يرى في الطفل مشروع مواطن فاعل، وفي الصورة أداة للتربية والنقد.
🎬 مهرجان بفلسفة جديدة: "جيل يرى، جيل يفكر"
أيمن الجليلي، مدير المهرجان، لم يُخفِ في كلمته الافتتاحية والاختتامية إيمانه العميق برسالة "الفيفاج": تربية الناشئة على الصورة. فالمهرجان لا يطمح لأن يكون مجرد منصة عروض، بل ورشة تفكير جماعية حول الجماليات البصرية، والحس النقدي، والتربية على المواطنة عبر الفن.
هذا الانحياز المبدئي تجلّى بوضوح في المحاور الفكرية التي ناقشت بجرأة مسألة إدماج السينما في البرامج التعليمية، من خلال ندوة "نحو عقد اجتماعي جديد للتربية والتعليم"، مستندة إلى توصيات تقرير اليونسكو لسنة 2022 حول مستقبل التعليم.
🏆 من الجوائز إلى الرسائل التربوية
لم تكن جوائز "الفيفاج" مجرد تكريم للمواهب، بل تكريس لرؤية قيمية للسينما.
فحين يُتوّج الفيلم الفلسطيني "أحلام عابرة" بالجوهرة الذهبية للأفلام الطويلة، يكون التتويج اعترافًا بالحق في الحلم رغم القهر، كما يُصبح فوز الفيلم العراقي "يد أمي" في فئة الأفلام القصيرة، رسالة حنين وحنان ضد كل ما يكسره العنف.
وما اختيار لجنة التحكيم للمخرجة التونسية درة صفر بجائزة أفضل إخراج عن فيلمها "ميما" إلا تأكيد على انفتاح المهرجان على تجارب سينمائية نسائية، ترى في الجمال مقاومة، وفي الصورة موقفًا.
🎥 سينما "تدور"... والفن ينزل إلى الشارع
ومن بين أبرز ملامح هذه الدورة، مبادرة "سينما تدور" التي كسرت الحواجز بين السينما والجمهور، ونزلت بالأفلام إلى قلب مدينة سوسة، في باب بحر. هذه التجربة، التي أطلقتها جمعية فوكس ڨابس و"لاغورا" جربة، لم تكن مجرد عروض، بل دعوة للفن كي يستعيد مكانته في الفضاء العام، في زمن تحوّل فيه الترفيه إلى تجارة، والثقافة إلى منتج استهلاكي.
🌍 تنوّع دولي وشراكات استراتيجية
شاركت في هذه الدورة 22 دولة، من أربع قارات، مما جعل من "الفيفاج" منصة لحوار الثقافات، وتبادل الرؤى التربوية والفنية. من فلسطين إلى السنغال، ومن أذربيجان إلى الأرجنتين، تنوّعت الأفلام، وتقاطعت القضايا: الهوية، الحرب، الأحلام المكسورة، الأمل، الأمومة، الطفولة...
كما ناقشت ندوة ثانية سبل الشراكة بين الإيسيسكو والمجتمع المدني السينمائي التونسي، في سياق محاولة حقيقية لإرساء دبلوماسية ثقافية جديدة، تُعيد للفن دوره الحيوي في التنمية والتربية.
👁️ التربية على الصورة... مشروع وطن
لا يمكن قراءة هذه الدورة دون التوقف عند الورشات التكوينية التي امتدت على مدار أربعة أيام، واستهدفت أطفالًا وشبابًا من مختلف الجهات: القيروان، تطاوين، تونس وسوسة. لقد كانت هذه الورشات، المخصصة لكتابة السيناريو، المونتاج، التصوير، إدارة الممثل، وتقنيات الصوت، بمثابة نواة فعلية لتكوين صُنّاع سينما الغد، ولتجذير الحس البصري والفني في أذهان الجيل الجديد.
✨ الفن لا يموت... بل يغيب ويعود أقوى
عودة "الفيفاج" بعد ست سنوات من الصمت، جاءت لتقول إنّ المشاريع الثقافية التي تُبنى على رؤية واضحة، لا تنطفئ، بل تنتظر مناخًا يسمح لها بالانبعاث. وهذه الدورة، بما حملته من عمق في المضمون، وجرأة في الطرح، وتنوّع في المشاركات، تمثّل علامة مضيئة في المسار الثقافي التونسي، ودعوة لإعادة النظر في علاقة الطفل بالمدرسة، والطفل بالسينما، والطفل بالمجتمع.