اختر لغتك

ما الذي سيربح الضعفاء من حروب الأقوياء

ما الذي سيربح الضعفاء من حروب الأقوياء

ما الذي سيربح الضعفاء من حروب الأقوياء

متغيرات تهز المجتمعات بسبب تفشي فايروس كورونا وتضع العالم أمام أسئلة تتمحور حول الاستفسار باستمرار عمّن سيربح ومن سيخسر في الحرب المعلنة بين القوى العظمى.
 
لا حديث في خضم تجند الإنسانية لمقاومة وباء كوفيد – 19 سوى عن الحروب الجانبية التي تمخضت عن فايروس كورونا تحديدا بين القوى العظمى وفي مقدّمتها تلك الحرب الدائرة بين الصين والولايات المتحدة. جدل دولي لئن كشف عن ظهور مؤشرات قوية لتوجه العالم نحو نظام جديد، فانه كشف أيضا عن رغبة شعوب الدول النامية لحصول ذلك رغم إدراكها التام أن أيّ تغير سيطرأ على المنظومة الدولية لن تكون لها فيه أي انتصار سوى العودة إلى مربع الاصطفاف وراء من سيربح حرب الأقوياء.
 
تونس- فرض وباء كورونا واقعا جديدا، حوّل منذ ظهور الكارثة مسارات الحديث والجدل من التساؤل عن طبيعة الفايروس وسبل التوقي منه بانكباب الباحثين على البحث عن العلاج الأمثل للشفاء منه إلى الخوض في صراعات أخرى داخل الحرب التي تشنّها الإنسانية ضد الوباء رهانها الأبرز كيف سيكون العالم ما بعد مرور الكارثة.
 
ورسم فايروس كورونا ملامح سلوكيات جديدة جعلت حتى أكثر الناس لا مبالاة بما يحدث من تطورات في العالم من أشدّ المتابعين لكل حدث جديد يطرأ في أيّ دولة بحكم ما فرضته إجراءات الحجر الصحي والعزلة للتوقي من الإصابة بالفايروس.
 
وبحكم كل هذه المتغيرات التي هزّت الجميع، باتت أكثر الأسئلة ترديدا في التقارير الإعلامية وفي الأوساط السياسية الدولية متمحورة حول الاستفسار باستمرار عمّن سيربح ومن سيخسر في الحرب المعلنة بين القوى العظمى التي تتسابق لتوظيف كل حدث جديد إما للمحافظة على مكانتها وإما لربح أشواط جديدة في معركة قيادة العالم.
 
وتحدّثت المئات من التقارير في هذا الصدد عن وجود بوادر تغير عميق سيحصل في بنيوية النظام العالمي الذي قاد العالم طيلة عقود منذ سقوط جدار برلين في عام 1991 والذي حسم آنذاك المعركة لفائدة الغرب على حساب معسكر الشرق الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفييتي.
 
وفي خضم هذه الأزمة الخانقة التي عجزت فيها مؤسسات الرعاية الصحية في أعتى الدول كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة التي تجد صعوبات عدة في استقبال الآلاف من المصابين بكورونا، يُطرح السؤال الأهم عن مصير شعوب الدول النامية والفقيرة التي تبدو رغم عدم جاهزيتها أكثر إيمانا بوجوب التغيير على مستوى المنظومة التي تحكم العالم.
 
على عكس الدول المتقدّمة، فإنه من المرجّح أن تكون تكلفة الوباء باهظة الثمن على الدول الأقلّ قدرة على الصمود أمام فايروس فتّاك إن تواصل فإنه سيدمر الدول النامية التي باتت محاصرة في الوقت نفسه بكورونا وبمشكلات اقتصادية أخرى ستفجر حتما في المستقبل بركانا اجتماعيا بحكم ما فرضته الكارثة من بطالة قسرية على الملايين من سكان هذه الدول.
 
وفرضت انعكاسات فايروس كورونا تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي تبدو أشدّ وطأة حتى من قساوة الحرب العالمية الثانية. وتشير في هذا الإطار منظمة العمل الدولية في آخر تقرير لها إلى أن 81 في المئة من إجمالي القوة العاملة حول العالم، أي قرابة 2.7 مليار عامل، تضرروا من القيود المفروضة بسبب الوباء، من قبيل إغلاق المنشآت التي يعملون بها بشكل جزئي أو كامل.
 
وأضافت في تقرير لها حول تأثيرات كورونا على عالم الأعمال، أن قرابة 1.25 مليار شخص حول العالم، يعملون في قطاعات تتميّز بأنها ذات مخاطر مرتفعة.
 
ولئن، يُجمع الخبراء على أن الدول القوية ستكون قادرة نسبيا على تخطي هذه الأزمة راهنا بحكم ما تمتلكه من ثروات اقتصادية وبدائل هامة حتى وإن خسرت الكثير من ضحايا الفايروس، فإنه على العكس من ذلك تماما ستكون الدول النامية على شفا الإفلاس والانهيار إن تواصلت الكارثة لأطول وقت ممكن.
 
وحول تداعيات هذه الأزمة يقول الأكاديمي والكاتب الصحافي برايان كلاس في تقرير بصحيفة واشنطن بوست تحت عنوان “وباء كورونا يوشك أن يدمر الدول النامية” أنه بالرغم من أن عدد الوفيات في الدول الغنية جرّاء الفايروس ستكون مروّعة حيث يتوقع أن يحصد أرواح مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من الناس خلال الشهور المقبلة، فإن الأوبئة التي عرفتها البشرية من قبل تشير إلى أن تلك الأرقام لن تمثّل سوى جزء ضئيل من عدد الوفيات في البلدان الأكثر فقرا في العالم.
 
وفي جوائح سابقة حصدت جائحة الإنفلونزا التي ظهرت عام 1918 أرواح ما بين 25 مليون شخص ومئة مليون، وكان حوالي 12 مليونا من تلك الوفيات في الهند وحدها. كما توفي حوالي مئة ألف شخص في غانا التي لم يتجاوز عدد سكانها آنذاك مليوني نسمة، أي أن الوباء قتل 5 في المئة من مجموع سكانها في ذلك الوقت.
 
ورغم كل هذا، فإن مفارقة عجيبة تلتصق بتعامل وتفاعل شعوب الدول النامية مع الأزمة الحالية حيث باتت، وعلى الرغم من إدراكها صعوبة المرحلة أكثر توقا وحماسة لحصول تغيير جذري في شكل النظام الدولي مستقبلا.
 
كما أصبحت هذه الشعوب أيضا أكثر شغفا ومتابعة لما يحصل من حروب جانبية أملتها مواجهة الوباء، خاصة تلك التي تدور بين الصين والولايات المتحدة من جهة أو داخل الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية.
 
وترتكز تصوّرات شعوب الدول النامية على عامل بات أشبه بحقيقة لدى الكثير من الخبراء مفاده أن النظام الليبرالي بات آيلا للسقوط، وأن الدول الأكثر التصاقا به باتت بدورها تتأهب للبحث عن بديل.
 
ومن الشرق الأوسط، مرورا بأفريقيا أو بعض الدول الأوروبية وصولا إلى دول أميركا اللاتينية، باتت توجد حقيقة واحدة تتقاسمها شعوب هذه الدول بينها مفادها أن فايروس كوفيد – 19 طرح إشكالية عميقة للإنسان المعاصر الذي بحث في سبل استكشاف كواكب أخرى لكنه وجد نفسه اليوم أمام نظام وصل إلى مرحلة الإنهاك.
 
والأكثر من ذلك، أن هذه الشعوب أصبحت تراهن مثلا على أن تقلب الصين أو روسيا موازين القوى لصالحها بوجود إجماع لديها أن المذنب الوحيد عمّا يحصل الآن هو النظام الرأسمالي الذي يسود العالم أو بمعنى أدقّ يسود عقل الأرض.
 
وتتشارك شعوب الدول النامية والفقيرة في فكرة أن الوباء كشف حجم الأزمة العالمية التي تعيشها البشرية في بدايات القرن 21 والتي تنحصر في أزمة منظومة الرأسمالية التي تعبّر عن نفسها في كلّ مرة بأشكال جديدة لكن مضمونها بقي نفسه غير قادر على التطور.
 
في الشق الآخر، يبني الخبراء كل الأفكار والتصورات التي تصبّ في خانة حدوث تغير قادم بناء على ما أحدثه وقع الوباء في كثير من الدول العظمى التي كان يقال عنها إنها محصّنة، ليبدأ الجدل الحقيقي أساسا حين تذمّرت إيطاليا من تركها وحيدة تصارع فايروس كورونا دون دعم كبير يذكر من بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي.
 
وفتح التذمّر الإيطالي وكذلك الإسباني من عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على حماية أعضائه الباب أمام تواتر الحديث عن تفكّك النادي الأوروبي في أول فرصة ستأتي بعد السيطرة على فايروس كورونا.
 
وأضفى الصراع المعلن بين بكين وواشنطن الذي أقحمت فيه منظمات دولية كمنظمة الصحة العالمية -المتهمة من قبل الولايات المتحدة بالتحيز لخدمة أجندة الصين- شرعية للخوض في الترجيحات المتنبئة بمصير النظام الدولي. وبالإضافة إلى ذلك رسمت حرب أسعار النفط المندلعة بين روسيا والسعودية هامشا آخر لتحديد البعض من الدول التي تريد توظيف الأزمة لصالحها.
 
ونصح في هذا الصدد هنري كيسنجر وزير الخارجية في عهد الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، الحكام بالاستعداد الآن للانتقال إلى نظام عالمي لما بعد فايروس كورونا. وبنفس الاستنتاج أيضا اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن العلاقة بين القوى العظمى لم تكن أبدا مختلة بهذا الشكل، مؤكدا أن جائحة كوفيد – 19 تبرهن بشكل كبير أن على العالم إما أن يتضافر وإما أن يهزمه الفايروس.
 
الشعوب الفقيرة تراهن على أن تقلب الصين الموازين بسبب وجود إجماع على أن المذنب هو النظام الرأسمالي
 
ورغم أن جلّ النقاشات المحتدمة في مخابر المؤسسات البحثية العالمية تتمحور عمّا إذا كانت الصين أم الولايات المتحدة هي التي ستقود عالم ما بعد كورونا وكذلك حول إمكانية أن يكون الاتحاد الأوروبي أكبر الخاسرين، فإنها أيضا تتطرق إلى فكرة ما الذي سيربح الضعفاء من حروب الأقوياء.
 
لقد أثبتت حروب سابقة كالحرب العالمية أو الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة، أن جلّ الدول النامية والفقيرة لم تجن من اصطفافاتها أي شيء يذكر سوى أن تكون أشبه بمنصات عسكرية تطلق منها صواريخ توجهها دولة قوية في حربها مع قوة عظمى أخرى.
 
ماذا ستجني الدول الفقيرة من تزعم روسيا للعالم أو دخولها في حرب مع واشنطن سوى استيراد السلاح، وماذا ستحقق هذه الدول من انتصارات إن قادت الصين العالم سوى أنها ستبقى مجرّد مستورد لبضائعها وسلعها أو أنها ستغرق بقروض ستكون بفوائد عالية وربما أكثر تكلفة مما سبق.
 
ويطرح أيضا السؤال حول بعض الرهانات الأخرى التي تصبغ مواقف بعض الشعوب العربية مثلا التي تتحمس بعض الميليشيات المنغرسة فيها إما لمناصرة النظام الإيراني وإما النظام التركي لقيادة المنطقة ما سيزيد إما في تغذية النظم الطائفية وإما تقوية شوكة الإسلاميين الذين يعيثون فسادا في المنطقة منذ سنوات. فيما يتبنّى آخرون فكرة انقسام الاتحاد الأوروبي غير عابئين بأن بخطر اليمين المتطرّف المتربص لحكم قارة مهما كانت الانتقادات الموجهة لها كانت وجهة لمواطني الدول الفقيرة للعمل والإقامة في أوروبا.
 
 
وسام حمدي
صحافي تونسي
 
 
Tags: ,

آخر الأخبار

النادي الإفريقي يواصل التألق: انتصار خامس على التوالي يعزز الصدارة قبل مواجهات حاسمة

النادي الإفريقي يواصل التألق: انتصار خامس على التوالي يعزز الصدارة قبل مواجهات حاسمة

صفاقس تحتضن النسخة الرابعة من ماراثون "الخطوات الخضراء": أكثر من 2000 مشارك لتعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء

صفاقس تحتضن النسخة الرابعة من ماراثون "الخطوات الخضراء": أكثر من 2000 مشارك لتعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء

المهدية تستعد لاستضافة الأيام الوطنية للإطارات شبه الطبية: تجمع لأكثر من 500 ممرض من تونس ودول الجوار

المهدية تستعد لاستضافة الأيام الوطنية للإطارات شبه الطبية: تجمع لأكثر من 500 ممرض من تونس ودول الجوار

أزمة الخبز في تونس: إهدار 18% من الإنتاج في ظل استيراد 80% من القمح... هل نحن على مشارف كارثة غذائية؟"

أزمة الخبز في تونس: إهدار 18% من الإنتاج في ظل استيراد 80% من القمح... هل نحن على مشارف كارثة غذائية؟"

تصعيد غير مسبوق: غارات إسرائيلية تدمّر مساجد جنوب لبنان وحزب الله يتصدى لتوغلات برية

تصعيد غير مسبوق: غارات إسرائيلية تدمّر مساجد جنوب لبنان وحزب الله يتصدى لتوغلات برية

Please publish modules in offcanvas position.