شراكة على المحك
مع الغضب الدولي والعقوبات المتزايدة ضد روسيا، تسعى بكين جاهدة إلى تجنب تضررها من الشراكة مع موسكو، وفي الوقت نفسه، إلى الحفاظ على العلاقات الوثيقة بينهما.
ومنذ تولي شي جينبينغ السلطة قبل حوالي عقد، حققت الصين وروسيا البلدان اللذان كانا عدوين لدودين خلال الحرب الباردة، تقاربا غير مسبوق وتجمعهما خصوصا الرغبة في مواجهة النفوذ الأميركي.
لكن يبدو أن الصين وجدت نفسها في موقف صعب بعد الهجوم العسكري الروسي والمقاومة الأوكرانية المستميتة وحجم رد الفعل الدولي المناهض للكرملين الناجم عن ذلك.
واضطرت بكين التي تطالب منذ فترة طويلة باحترام وحدة أراضيها في النزاعات الحدودية مع الدول المجاورة لها، للقيام بمناورات خطابية بشأن أوكرانيا لتجنب إغضاب روسيا.
ومع حفاظها على التأييد الشفوي فقط للسيادة الوطنية، شددت الصين على أن موسكو محقة في مخاوفها الأمنية المتعلقة بأوكرانيا وتوسع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة.
كذلك، رفضت بكين إدانة موسكو واعترض الناطقون باسم الحكومة الصينية على وصف الهجوم الروسي على أوكرانيا من صحافيين أجانب في المؤتمرات الصحافية بأنه “غزو”.
تبذل هيئات مراقبة شبكة الإنترنت الصينية جهودا شاقة لصياغة الخطاب العام المحلي، مما سمح في البداية بنشر مشاركات قاسية تتبع خطاب بكين المناهض للولايات المتحدة، قبل أن تتمحور حول رسائل غير لائقة تستهدف النساء الهاربات من أوكرانيا وحول المشاعر المناهضة للحرب.
وتخضع شبكة الإنترنت لرقابة صارمة في الصين. وقال سيرجي رادشينكو الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة “يمكن أن ترى الارتباك في التصريحات المبكرة”.
ويعرِّض فشل بكين في التعامل مع الموقف بحذر، لإمكانية اعتبارها عامل تمكين لبوتين ما قد يؤدي إلى نفور شركاء تجاريين غربيين وتعريض التوازن الهش للروابط التي أقامتها الصين في السنوات الأخيرة مع كل من روسيا وأوكرانيا للخطر.
وقال ريتشارد غياسي الخبير في مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، إن الوضع المستجد شلّ الصين فعليا. وأوضح أن “المصالح الأمنية تتفوق دائما على المصالح الاقتصادية” في حسابات الصين، وهي لن تتحول بشكل جذري نحو موقف أكثر تأييدا لأوكرانيا.
وأشار إلى أن روسيا “بلد مجاور عملاق ومسلح نوويا وغني بالموارد” ولن تخاطر الصين باستفزازها.
وما يزيد من صعوبة وضع الصين محنة المواطنين الصينيين البالغ عددهم ستة آلاف في أوكرانيا والذين يتم إجلاؤهم تدريجيا عن طريق البر وفي القطارات إلى بلدان مجاورة مع النازحين الآخرين.
وحضّت أكثر من 12 حكومة مواطنيها على مغادرة أوكرانيا بحلول منتصف فبراير، لكن الصين امتنعت عن القيام بذلك.
وبدلا من ذلك، طلبت من مواطنيها “الحفاظ على هدوئهم” والبقاء في منازلهم حتى مع دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، كما اضطرت لإلغاء جسر جوي مقترح بعدما أغلقت أوكرانيا مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية.
وفي إشارة إلى أن بكين أخطأت في قراءة الوضع، حضّت سفارتها في أوكرانيا في البداية مواطنيها على وضع علم الصين على سياراتهم كإجراء وقائي، لكنها سرعان ما تراجعت عن هذه التوصية بعد إبلاغ البعض عن تعرّضهم لعداء لاحق من السكان المحليين.
وقال مانوج كيوالراماني من معهد تاكشاشيلا في بنغالور للدراسات إن “الموقف السياسي الذي تبنته الحكومة الصينية صعّب الأمور على المواطنين الصينيين هناك”.
وأضاف “إذا قُتل مواطنون صينيون في أوكرانيا، سيصبح الحفاظ على الحياد المؤيد لروسيا الذي تتبناه الحكومة الصينية اليوم صعبا”.