تشهد تونس في السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة "الموتو تاكسي" كوسيلة نقل غير رسمية، وهو ما فرضته أزمة النقل العمومي وتدهور جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ورغم أن هذه الظاهرة تمثل استجابة طبيعية لحاجة اجتماعية ملحة، إلا أنها تثير إشكاليات قانونية ومؤسساتية تهدد سلامة مستعملي الطريق وتطرح مسألة المسؤولية المدنية في غياب الإطار التشريعي المنظم لهذا النشاط. ومع النظر إلى هذا الوضع، يصبح التساؤل مشروعا حول مدى قدرة المنظومة القانونية على استيعاب هذه الظواهر المستجدة وعن الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدولة في إعادة ضبط الفضاء العمومي وفق مقتضيات السلامة والمشروعية.
مقالات ذات صلة:
اتحاد التاكسي الفردي يهدد بالإضراب العام: مطالب بزيادة سعر العداد لمواجهة التحديات الاقتصادية
12 سنة سجن لوالي منوبة السابق بتهمة الفساد في إسناد رخص التاكسي الجماعي
سيارات تاكسي مزورة تزعج المواطنين: دعوات لتدخل عاجل من وزارة النقل
لا يمكن فهم انتشار "الموتو تاكسي" بمعزل عن الأزمة العميقة التي يشهدها قطاع النقل، إذ يعاني المواطنون من نقص حاد في وسائل النقل العمومي، ازدحام خانق، وارتفاع كلفة التنقل؛ ففي ظل هذا الوضع، كان من الطبيعي أن تظهر حلول موازية، من بينها اللجوء إلى الدراجات النارية كوسيلة نقل بالأجرة، رغم أنها غير مصممة تقنيًا لهذا الغرض؛ ومع ذلك فإن الإشكال الأكبر لا يكمن فقط في انتشار هذه الظاهرة، بل في غياب الإطار القانوني الذي ينظمها، مما يجعلها خارج أي رقابة رسمية، وحتى اليوم، لا يوجد نص تشريعي يضبط شروط ممارسة هذا النشاط أو يحدد المسؤوليات في حال وقوع الحوادث، مما يخلق وضعية قانونية ضبابية تمس بحقوق السائقين والركاب على حد سواء.
نظرا إلى الفراغ التشريعي، فإن المسؤولية القانونية في حالة وقوع حادث مرور تظل غير محددة بشكل واضح؛ فمن جهة، لا يخضع سائقو الموتو تاكسي لأي تكوين مهني ولا يحملون تراخيص رسمية تخول لهم نقل الركاب، مما يجعلهم عرضة للمساءلة القانونية. ومن جهة أخرى، فإن الركاب أنفسهم يجدون أنفسهم في وضع هش، إذ إن التأمين الإجباري على المسؤولية المدنية لا يشمل الأضرار الناجمة عن استعمال دراجات نارية لنقل الركاب؛ ونتيجة لذلك، فإن الحوادث التي تتسبب في إصابات خطيرة أو حتى وفيات لا تترتب عليها أي تعويضات، مما يخلق خللاً قانونيًا واضحًا.
وأمام هذا الوضع المعقد، يصبح التدخل التشريعي ضرورة ملحة لإعادة تنظيم هذا النشاط وفق معايير واضحة تضمن حقوق جميع الأطراف؛ ففي هذا السياق، يمكن تصور عدة سيناريوهات للإصلاح أبرزها المنع الكلي للنشاط،وهو خيار قد يبدو جذريا لكنه غير واقعي ما لم يتم تحسين خدمات النقل العمومي وتوفير بدائل أكثر نجاعة، كما يمكن تقنين الموتو تاكسي وفق ضوابط صارمة، بحيث يتم إخضاع السائقين إلى تكوين إجباري وفرض رخصة خاصة لمزاولة النشاط مع إلزامية التأمين على الركاب، إلى جانب اعتماد معايير السلامة على غرار ارتداء الخوذة وحماية الركاب من المخاطر؛ بالإضافة إلى ذلك، يمكن إدماج هذا النشاط ضمن منظومة النقل الذكي كما هو الحال في بعض الدول التي قامت بتنظيم النقل عبر الدراجات النارية من خلال تطبيقات إلكترونية خاضعة لرقابة الدولة، مما يسمح بتحديد هوية السائقين وضمان حد أدنى من السلامة.
وفي المجمل، يتضح أن التعامل مع ظاهرة "الموتو تاكسي" لا ينبغي أن يكون بمنطق العقوبات فقط، بل يجب أن يرتكز على رؤية قانونية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الفعلية للمواطنين، دون الإخلال بمتطلبات الأمن والسلامة؛ ولذلك، فإن الحلول الناجعة تقتضي إصلاح قطاع النقل بصفة جذرية، إلى جانب سن تشريعات واضحة تمنع الفوضى المرورية وتحمي حقوق الجميع. وفي نهاية المطاف، فإن نجاح أي مقاربة إصلاحية سيظل مرهونًا بقدرة الدولة على استباق التحولات المجتمعية، ووضع سياسات تواكب تطورات النقل الحضري وفق رؤية متكاملة تحقق التوازن بين الحاجة إلى التنقل وضمان الأمن القانوني والمروري.
