الصفحة 3 من 4
حروب ماء مقبلة
الواقع أن البلدان العربية بذلت جهودا كبيرة في مجال توفير الماء لمواطنيها. وسبق أن أشار آخر تقرير للمجلس العربي للمياه إلى أن الموارد المائية غير التقليدية وصلت إلى حوالي 74 مليار متر مكعب في العام، وتشمل حوالي 7 مليارات متر مكعب من المياه المحلاة، و18 مليار متر مكعب من الصرف المنزلي، و6.7 مليار متر مكعب من الصرف الصناعي، و28 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي، وحوالي 7.5 مليار متر مكعب من المياه الجوفية المعاد استخدامها، و5.7 مليار متر مكعب من المياه الجوفية شبه المالحة.
فضلا عن ذلك تقوم بلدان الخليج العربي بتحلية مياه البحر لتلبية الطلب على المياه. فأكثر من 75 بالمئة من مياه البحر المحلاة في العالم موجودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 70 بالمئة منها في بلدان مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات) و6 بالمئة في ليبيا والجزائر.
تصل كمية الموارد المائية المشتركة بين بلدان عربية وبلدان غير عربية إلى 174 مليار متر مكعب، وهو رقم له أهمية على المستوى الجيوسياسي بوصفه تحديا ورهانا كبيرا إذا فكّرت دول المنبع في أن تستخدم هذه الورقة للضغط السياسي، وهو ما يفرض أن تتشارك الدول العربية في تهيئة تصورات مستقبلية بخصوص المياه الجوفية العابرة للحدود في ما بينها أولا، حيث تشترك الجزائر وتونس وليبيا في خزان المياه الجوفية.
وبالمثل، تشترك معظم بلدان الجزيرة العربية في مياه نظام طبقات بالوجين الممتدة من الشمال إلى نهاية جنوب شبه الجزيرة، وتشترك بلدان السودان وتشاد ومصر وليبيا في خزان الحدر الرملي النوبي، وحوض نهر اليرموك المشترك بين الأردن وسوريا، حيث إمكانية التعاون متوفرة إذا توفرت الإرادة السياسية.
لكن علينا التذكير أيضا بوجود معضلة حقيقية أخرى تتجلى في وجود مصادر منابع المياه العربية في دول أخرى مثل مناطق نهر النيل، ونهري دجلة والفرات، ونهر الأردن مصدر المياه الرئيسي للأردن وفلسطين وإسرائيل، وهذه المناطق تشهد توترات سياسية منذ وقت طويل بسبب سيطرة إسرائيل على الخزانات الجوفية الضخمة المعروفة بخزان الجبل وبئر الجبل في الضفة الغربية، وحوض نهر الأردن الأعلى الذي ينبع من لبنان وسوريا.
أما بخصوص الأنهار الدولية والأحواض والخزانات الجوفية المشتركة والتغيرات الجغرافية الحاصلة، مثل انفصال جنوب السودان وأنهاره، كما بناء سد النهضة في إثيوبيا، يتضح أن ذلك له آثار وخيمة في دولتي المصب على المدى المتوسط والبعيد، ويؤثر سلبا في حصة المياه المصرية والسودانية.
وستواجه كل من مصر والسودان أزمة مائية مستقبلا بسبب نقص تدفق المياه ومحدوديتها وحاجة دول الحوض إلى كميات إضافية لتأمين احتياجاتها من الغذاء والطاقة، ما قد يؤدي إلى توتر العلاقة في المنطقة، ويجعل الموضوع شائكا بين شركاء النيل، لاسيما أن إثيوبيا تمتنع لحد الآن على الإفصاح عن حقيقة السدود الثلاثة الإضافية.
نتيجة لنقاط الضعف في الموارد المائية العربية التي ازدادت وطأة بفعل التغيّرات المناخية من جفاف وتصحر، فضلا عن الاستغلال المفرط لموارد المياه السطحية والمياه الجوفية -المتجددة وغير المتجددة-، ثم تداعيات انخفاض خصوبة التربة بسبب بناء السدود التي تحجز الرواسب الغنية بالمغذيات وتهدد التنوع الحيوي، أصبحت الكثير من الأنهار بعد السدود محرومة منها، وتآكلت قيعانها، وانخفض مستواها.
كما تفرض بدائل تحلية المياه تكلفة مرتفعة ماليا واستهلاكا كبيرا للطاقة، حيث تخطط الدول العربية إلى زيادة قدرة تحلية المياه إلى 86 مليون متر مكعب بحلول عام 2025 بتقنية التناضح العكسي المتقدمة، غير أنها إن قللت من الضغط على الموارد المائية التقليدية، تبقى لها أضرار ملوثة ومهددة للحياة البحرية ونظمها الإيكولوجية.