الصفحة 4 من 4
تجارة المياه الافتراضية
يمكن أن يؤدي استيراد المياه الافتراضية إلى تخفيف الضغط على الموارد المائية التقليدية، وأن يخفف من حدة الصراع الجيوسياسي على المياه مع الدول الحدودية في حالة مصر والعراق وسوريا والأردن وليبيا.
وتحتوي المياه الافتراضية على مكونات أساسية، هي المياه الخضراء، والزرقاء، والرمادية اللون ويمكن إضافة المياه السوداء التي يتم استخدامها في مجاري الصرف الصحي، بحيث تتجلى الأولى في رطوبة التربة بفعل الترسّب على إثر التبخر في الدورة الهيدرولوجية، وتعني تسرب جزء من مياه الأمطار في التربة، وهي تستخدم عبر عملية الرشح كما هو حال التربة الطينية في دلتا النيل، بحيث مع استمرار الرشح تزداد نسبة الرطوبة في الطبقة العلوية من التربة لتستفيد منه النباتات في نموها.
أما المياه الزرقاء، فالمقصود بها مياه الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية والثلوج، بينما تشمل المياه الرمادية المياه المستعملة في الحياة اليومية أو الملوثة بالأسمدة والمبيدات. وبالتالي، يمكن تعريف المياه الافتراضية بكمية المياه المستعملة إنتاجا واستهلاكا في أي إنتاج زراعي أو تجاري أو صناعي. ومن ثم يتم تصدير واستيراد المياه الافتراضية من خلال هذه المنتجات الاستهلاكية.
مفاد تشجيع تجارة المياه الافتراضية أن غالبية البلدان العربية لا تستطيع تحقيق اكتفاء غذائي بسبب نقص القدرة الزراعية فيها وقلة الموارد المائية. غير أن الأمن الغذائي العربي يمكن أن يتحقّق من خلال التكامل الزراعي الإقليمي الذي يجمع الميزات النسبية للبلدان العربية، بالإضافة إلى الاستثمارات في الدول التي تتمتع بموارد مائية مهمّة مثل ما تقوم به الإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت في السودان وإثيوبيا وإريتريا، أو كما يفعل المغرب في الغابون في المجال الزراعي، فهذا البلد مثلا يحتل المرتبة الأولى في القارة السمراء بمعدل 321 ألف متر مكعب للفرد بفضل البحيرات الكبرى وقلة السكان.
ويمكن للدول التي تعاني من الشح المائي أن تقلل من الزراعة التي تنهك قدراتها المائية باستيرادها من الدول ذات الوفرة المائية أو أن تساهم في إنتاجها في عين المكان لتغذية سكانها. وبهذه الطريقة تستطيع الدول التي تعاني من ندرة المياه أيضا أن تقوم باستيراد السلع المنخفضة نسبيا في محتوى المياه الافتراضية لتعظيم قيمة المياه المحدودة التي لديها، وبذلك تحقق الدولة المستوردة وفرة في المياه الحقيقية لتخفيف الضغط حول مواردها المائية، وتوفّر ماءها من أجل استعماله في إنتاجية تحقق قيمة مضافة أعلى، وليس هدره في قيمة مضافة أدنى. وذلك بحساب الفرق بين الصادرات والواردات في المياه الافتراضية.
ولعل تطبيق مفهوم البصمة المائية يتيح بسهولة معرفة حجم المياه اللازمة لإنتاج السلع، فإنتاج حزمة ورق واحدة مكونة من 100 ورقة، تستهلك أكثر من 1800 لتر من الماء، فيما يتطلب إنتاج كلغ واحد من اللحم توفير 16 مترا مكعبا من الماء، ويحتاج كلغ واحد من الأرز إلى 6 أمتار مكعب من الماء، فضلا عن أن زراعة كلغ واحد من القمح يستهلك 5.1 متر مكعب من الماء.
وعليه، وما يمكن استخلاصه هو أن الوعي بقضايا الماء قضية حاسمة ومحورية ومصيرية في تحقيق الاستقلال الغذائي والصحي في البلدان العربية، بمعنى أنه إذا أخذنا مجموع الإمكانيات الهيدروليكية في الشرق الأوسط، فإننا نجد رقما مهمّا من 2787 مترا مكعبا وهو رقمي يفوق ما حددته منظمة الصحة العالمية من أجل تنمية مستديمة. ولكن ذلك لن يتحقق دون التعاون عربيا لتوفير الموارد المائية في المنطقة واعتبار تحدياتها ضرورة وجودية تفرض تكاتف الجميع.
د. حسن مصدق
أستاذ في جامعة فانسين باريس 8