الصفحة 3 من 4
استثمار الحدث
بصرف النظر عن الأسباب التي أفضت إلى الانخفاض، وما يؤدي إليه التدخل التركي في سوريا من خمول في مستوى التوتر في شرق المتوسط، فأمام مصر فرصة لاستثمار الحدث التركي من نواح عدة، أبرزها استعادة دمشق للحضن العربي وما تحمله الخطوة من عافية معنوية للأمن القومي
العربي في مواجهة إيران التي تصورت أن علاقتها القوية مع النظام السوري لن تتزحزح.
وهذه الأوضاع يمكن أن تكون ملائمة لسحب دمشق بعيدا عن طهران، ومنح الأولى شبكة أمان عربية بديلة.
ويحظى هذا التوجه بقبول أميركي وروسي للحد من نفوذ إيران في سوريا والمنطقة العربية، وهو ما تباركه دوائر إقليمية غاضبة من تصرفات طهران.
ويمكن أن تلعب القاهرة دورا محوريا في دائرة تضم دولا مختلفة وتحتفظ معها بعلاقات تمكنها من البناء على هذه الخطوة مستقبلا، وتصبح مدخلا لتقويض بعض الأذرع الإيرانية في المنطقة.
تملك مصر مبررات عديدة للتخلي عن انكفائها الزائد على الداخل، ورغبة بدت إرهاصاتها مع التصعيد المفاجئ ضد إثيوبيا في أزمة سد النهضة مؤخرا، بعد أن أدى تقصيرها في أداء دورها التاريخي في منظومة الأمن القومي العربي إلى زيادة أوجه العجز، ضمن أوجه خلل متباينة، تمثلت في الصمت طويلا على رهن إرادة العراق بإيران، وتراكم الأزمات في لبنان، والصراع الساخن في ليبيا واليمن، وانهماك دول المغرب العربي في مشاكلها السياسية.
ساعد الانكماش العربي على زيادة نفوذ وجموح إيران، ومنح تركيا جرأة عالية للدخول والخروج في العراق، وأصبح حلمها الاستقرار في شمال شرق الفرات، وربما العبث بمجموعة من الثوابت الإقليمية التي يمكن أن تصبح ذريعة، حال تكريسها، لقطع أجزاء من دول عربية أخرى من قبل تركيا أو غيرها.
ولذلك تتجه القاهرة إلى زيادة وتيرة الحوارات العربية والتباحث مع الحلفاء الأساسيين للتوصل إلى طريقة مشتركة للتعامل مع التدخل التركي، لاسيما أن المؤشرات الأولى للتعاطي العربي مع الأزمة كشفت عن تقارب كبير في تشخصيها، ما يفتح الباب على تقارب آخر في آليات التعامل معها، بما يسمح في النهاية بتبني موقف جماعي يمكن البناء عليه لمواجهة أزمات وتسويات إقليمية أخرى.