الصفحة 2 من 3
غياب البدائل
تأتي هيمنة الدولار الأميركي على النظام العالمي المالي من غياب بدائل منافسة تكون قابلة للتطبيق، فحتى العملة الأوروبية الموحدة اليورو لم تنجح في خلق ثقل مواز لنفوذ الدولار.
وكتب روبرت مونديل، الحائز على جائزة نوبل “القوى العظمى لها عملات كبيرة، ويبدو من غير الخلاف أن التأثير العالمي والمال العالمي متشابكان”، مضيفا أن الولايات المتحدة عرفت أنها تستفيد من قوتها العسكرية. كما يتأتى نفوذ الدولار من هيبة المؤسسات الأميركية والثقة في نواياها. حيث تدعم القوة العسكرية والاقتصادية حصة الدولار المهيمنة في التجارة والاستثمار، علاوة على الإيمان بالمؤسسات السياسية الأميركية الذي عزز دوره كعملة احتياطية وملاذ آمن. وضعت الولايات المتحدة مصالحها الخاصة قبل فترة طويلة من إدارة ترامب، لكنها فسرتها بشكل عام لتشمل بناء قواعد ومؤسسات مالية عالمية تنطبق على الجميع.
ونتاجا لهذه السياسيات المتبعة، تزايدت مخاوف الحلفاء والمنافسين للولايات المتحدة خاصة من ناحية الشكوك في عملاء البنوك الذين تم إخبارهم بأن جميع الرسوم قد تم رفعها لأن الإدارة تحتاج إلى إعطاء الأولوية للمساهمين أولاً.
ويرجّح تقرير “انترناشيونال انترست” أنه قد يكون البيان صحيحًا من الناحية القانونية، إلا أنه يمثل إستراتيجية عمل مشكوكا فيها. ففي الوقت الذي تستمر فيه القوى الاقتصادية الأخرى في الظهور، فإن هذه القواعد تصبح المتفق عليها والقيود المشتركة أكثر تركيزا على حماية مصالح الولايات المتحدة.
وكنتاج لتمكّن الولايات المتحدة من فرض نفسها كقوة اقتصادية أساسية، بدأت الدبلوماسية المالية بتنسيق سياسة الاقتصاد الكلّي وأنظمة الاستثمار والتنظيم المصرفي. وأعطت هيمنة الدولار واشنطن دورا متميزا في مجال واسع من المفاوضات، بما في ذلك إعادة هيكلة الديون والمعارك ضد الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.
وقد امتد النفوذ الأميركي إلى ما بعد الأساسيات السليمة للاقتصاد الكلي، فانبثاق البنوك لمعاقبة المشتبه فيهم ينبع من رغبتها في الاحتفاظ بالتمتع بنظام الدولار.
كما حثّت قوة الاقتصاد الأميركي الدول الأخرى على مناقشة معايير العمل والبيئة الجديدة خلال محادثات التجارة مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، وحتى المراجعات لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.
في المقابل، تمتد الضغوط على دور الدولار في بقية الدول الأخرى. رغم أهميته، لم تكن هناك إستراتيجية واضحة لحماية سمعة العملة وصقلها. وأدى هذا إلى تعمّق الشكوك حول القيادة المالية الأميركية بشكل حاد خلال الأزمة المالية العالمية التي اعتبرها البعض نتيجة للإهمال الأميركي.
وينتاب حلفاء أميركا قلقا بشأن مصداقية المشاركة الأميركية في تشكيل النظام المالي العالمي. في ظل مضايقتهم بالعقوبات الأميركية التي تبدو مصممة لحماية المصالح التجارية الأميركية بدلاً من تعزيز المعايير العالمية.