اختر لغتك

أمين عام الإخوان يعزف السلام التنظيمي الزائف للدولة المدنية

أمين عام الإخوان يعزف السلام التنظيمي الزائف للدولة المدنية

أمين عام الإخوان يعزف السلام التنظيمي الزائف للدولة المدنية

احتلال أمين عام تنظيم الإخوان، موقع المرشد، يحمل أبعادا ذات دلالة تنظيمية في ما يخص هيمنة القيادات على مقاعد القيادة وإخضاعها أو إقصائها لكل الأصوات المُنافسة.
 
 
في إطلالة من النوع المُستغرب على المقاس التنظيمي والإمكانيات الذاتية، أطل مؤخرا الأمين العام لتنظيم الإخوان، محمود حسين، مُتصدّرا موقع المرشد العام، ومُصْدِّرًا رسالة الإخوان الأسبوعية تحت عنوان “مواقف مبدئية من صميم دعوة الإخوان”، ليوضح فيها حقيقة موقف تنظيمه من مدنية الدولة؛ تصدر المشهد السياسي والاصطفاف الوطني والشرعية، باعتبارها الشُبهات المثارة حول الإخوان، وبالرد عليها يمكن حسم مواقف التنظيم من هذه القضايا، وعلى قواعد التنظيم في مصر والعالم أن تُصدّق قياداتها وتُكَذِّب ما يدور في ردهات التنظيم المغلقة. وعلى منْ عاينوا مُناقضة أداء التنظيم في مصر وغيرها لما أعلنه أن يُكذّبوا عقولهم وأعينهم ويُصدّقوا أمين عام الإخوان.
 
تظل المعضلة الأساسية في قراءة مواقف تنظيم الإخوان، باعتبارها صادرة عن كيانٍ تقليدي البناء، سياسيّا كان أو مُجتمَعيّا أو حتى دينيّ، وهو ما يُحيل كل محاولة في هذا الصدد إلى اختزال تقييم التنظيم في جانب، وإغفال فِكرة الشمولية التي أقام عليها المؤسس حسن البنا تنظيمه. وفي إطار هذه الشمولية طرح البنا تنظيمه باعتباره الكيان الجامع، وبناء على ذلك لا تُصبح قراءة ما يُصرح به قادة التنظيم حول مواقفه المبدئية خاضعة لمعايير التصنيف من جهة، ومُتغيرات المرحلة التاريخية التي يمر بها التنظيم الذي يُمثل بشموله عالمًا موازيًا لا يُضاهيه كيان أو تنظيم تقليدي من جهة ثانية.
 
ولاستيعاب طبيعة الرسالة التي صدرت بتوقيع أمين عام التنظيم، فمن المهم أن نعي أن “رسالة الإخوان” إصدار أسبوعي تتولى إعدادُه وصياغته لجنة خاصة، تتبع مكتب الإرشاد، وتُمثِّل الموقف الرسمي التنظيمي الضابط لأداء وخطاب كل المستويات القيادية والقاعدية داخليّا وخارجيّا.
 
وكان كاتب هذه السطور أحد أعضائها خلال الفترة من 2004 – 2011، وكانت آخر صياغاتي لها، الرسالة التي صدرت للقواعد في الخميس السابق لجمعة الغضب 28 يناير 2011، وحملت وقتها عنوانًا هو “الشعوب باقية والاستبداد إلى زوال”، والتي عدّل الراحل محمد مرسي عنوانها ليصبح “تبقى الشعوب ويزول الطغيان”، وحملت توقيع المرشد العام محمد بديع، وتلت هذه الرسالة بيانا تنظيميا خرج يحذّر من ثورة شعبية لن تكون من صنع الإخوان، وكان عنوانها “عشرة مطالب لتجنّب ثورة شعبية”.
 
وفي سياق تفكيك شيفرة رسالة أمين التنظيم يُصبح من الضروري ربطها زمانيا، بحلول الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير، وما تزامن معها من استهداف التنظيم استغلال ساحاتها للاحتشاد في مواجهة النظام المصري الذي تُقيّمه أجهزة التنظيم بأنه مُتمرد على التمكين الذي تحقق للإخوان بعد تولّي مرسى الحكم في 2012، ولا يُمكن استرداده إلا عبر تطمينات لمكوّنات الواقع السياسي المصري لا تختلف كثيرًا في محتواها عن رسائل الطمأنة والاحتواء التي قام بها التنظيم في الفترة التي سبقت يناير 2011 عبر العديد من المِظلات، ومن أشهرها: حوار من أجل مصر – الجمعية الوطنية للتغيير – الجبهة الوطنية – كفاية – الحملة الدولية لمقاومة الهيمنة الأميركية.
 
من ناحية أخرى، فإن احتلال أمين عام التنظيم، موقع المرشد في رسالته الأسبوعية، يحمل أبعادًا ذات دلالة تنظيمية في ما يخص هيمنة قيادات تنظيم الإخوان التقليدية، الحرس القديم، على مقاعد القيادة، وإخضاعها أو إقصائها لكل الأصوات المُنافسة أو المُجَدِّدة، بعدما نجح الحرس القديم في الهروب من تحمّل فاتورة مرحلة ما بعد فضّ تجمع رابعة العدوية، عبرَ تحميلها لما كان يُعرف بـ”لجنة إدارة الأزمة”، والتي كانت تعمل كبديل لمكتب الإرشاد في مصر، تحت قيادة عضو المكتب الراحل محمد كمال، رغم أنه كان يعمل تحت إشراف رجالات الحرس القديم ممثّلين في القائم بأعمال المُرشد محمود عزت الهارب داخل مصر، ورئيس اللجنة الدكتور محمد عبدالرحمن، ألقي القبض عليه.
 
وأمام عدم نجاح خُطة إسقاط الدولة المصرية في 25 يناير 2016، وما تَبِعها من حالة سقوط أمني، وفضح إعلامي لعناصر اللجان النوعية، الأمر الذي كاد أن يتحوَّل إلى دليل إدانة يؤكد الصلة التنظيمية بين الإخوان والإرهاب، وبحسم القيادة للحرس القديم، يُصبح الاصطفاف التنظيمي خلفها فرض عيْن لمواجهة “التمرد على التمكين في مصر”، وخُطوَة نحو تجاوز أخطاء التعجل في الفترة من 2012 – 2013 لرفع شعار الاصطفاف الوطني.
 
تُدركُ أجهزة التنظيم الإخواني، أن الأحداث تتسارع حول الدولة المصرية من حدودها الأربعة، كما تستوعب لاقطتاها المُنتشرة داخل بدن المجتمع المصري والدولة، عوامل القوة والضعف داخل أجهزة الدولة الإدارية، ومدى تأثر الشرائح المجتمعية المختلفة بالعديد من الأزمات، وهو إدراك غير منفصل عن خطة الإخوان المستهدفة، الإرباك والإنهاك والإفشال للدولة المصرية التي تم اعتمادها مطلع يناير 2015، فضلًا عن حالة الرصد الدقيق من قبل أجهزة التنظيم لواقع الكُتل التي كانت تُشكّل مكوّنات 25 يناير ومن بعدها 30 يونيو، والتي أدخِلت إلى دائرة الخصومة والتشكيك من قبل الإدارة الرسمية أو الإعلام المحسوب عليها، ويتبنّى جهاز التخطيط بالتنظيم هدفًا مرحليًا لاستثمار هذا الواقع وهو إيجاد مسارات جديدة في توظيف طاقات المجتمع في حمل المشروع.
 
والمقصود بالمشروع (مشروع التنظيم)، هو ما يتم بحسب مصدر تنظيمي شارك في صياغات أهداف المرحلة، عبر تبنّي الاصطفاف الوطني لمعارضي “الانقلاب” والمبادرة بالدعوة إليه والحرص على مشاركة الجميع، ويتحقق ذلك بإستراتيجية إخوانية تقوم على ضابطين هما التعاون مع الآخر، والاستفادة من الغير لتوسيع الشراكة وابتكار وتفعيل مصادر أسباب القوة السلمية والمقاومة المدنية.
 
في هذا السياق كان لا بد من تحرّك تنظيمي مطمْئن للشركاء، الذين خانهم التنظيم في أعقاب الخروج من ميدان التحرير 2011، حين رفع شعار “يا مشير أنت الأمير” في مواجهة شعارات “الثورة مستمرة”، الأمر الذي دفع أمين عام التنظيم إلى القفز على موقع رسالة المرشد ليكون مصدرًا للدعوة الجديدة، واعتبارها بحسب رسالته تأتي تأكيدًا للمواقف -حرصًا على التذكير- وضعا للنقاط على الحروف، في مواجهة ما أسماه “التشكيك وإثارة اللغط”، من موقف الإخوان تجاه قضايا، مدنية الدولة وتَصَدُّر المشهد السياسي والاصطفاف الوطني والشرعية.
 
رسالة محمود حسين هي مجرد غزل لمن يقرر أن يُصدق مدنية دولة، أو يخدعه زهد تنظيمي زائف في التمكين
 
ودار حديث محمود حسين حول التأكيد على إيمان التنظيم بمدنية الدولة، وعدم سعيه إلى تصدُّر أي مشهد أو التكالب على المغانم، بل إن واقع التنظيم يُناقض ذلك، حسب تصريح أمينه العام، وعلى العكس من تصدُّر المشهد كان نهج الجماعة العمل على تحقيق الاصطفاف الوطني، وحتى لا يُتهم الإخوان بالتخلّي عن الشرعية بموت مرسي فإنها عادت لصاحبها الأصلي، وهو الشعب صاحب الحق الأصيل فيها، وبالتالي يكون الإخوان في خانة الدفاع عن حق الشعب لا حقهم.
 
اللافت للنظر في رسالة أمين عام التنظيم، أنه اعتمد على الاستشهاد بآراء الإمام المؤسس، ومواقف وتصريحات المرشد السابق الراحل محمد مهدي عاكف. أما الأول فلكونه المرجعية الأصيلة للتنظيم، والثاني لكونه المُنَزَه عن المُشاركة في إدارة خطايا التنظيم خلال عاميْ التمكين (2011 – 2013)، ولرمزيته التي تتيح تلاقي قطاعات الإخوان على محبته، ودوائر الآخر السياسي التي كانت تصطف مع التنظيم إبان ولايته، لكن حسين أسقط في جملة استشهاده بإمامه المؤسس، ما ذكره في شأن الإخوان بين السياسة والدين، ونشرته جريدة النذير، في العدد (10)، من السنة الأولى، بتاريخ 1 أغسطس 1938.
 
استدعى أمين عام الإخوان تصريحات ومواقف للراحل مهدي عاكف، ليؤكد بها على انفتاح التنظيم وديمقراطيته وقبوله للآخر، وهو بذلك يتجاوز المرشد الحالي المُختَلف على إدارته، غير أنه نسي، والأصوب أنه تناسى، أنه كان شريكًا في التآمر مع حرس التنظيم القديم، على عاكف حين قرر عدم الترشح لولاية جديدة.
 
وكُنتُ حاضرًا إلى جوار حسين وقيادات مكتب الإرشاد، والمرشد يعلن ذلك، وطلب مني حينها أن أصيغ خطاب الاستقالة قائلًا “أكتب لي ما يشفي غليلي، أنا نفسي أمشي وآخذ كل أعضاء المكتب في إيدي، ويجي مكانهم ناس جديدة شباب”. وأملك جسارة الاعتراف، بكوني شاركتُ مع مرسي في احتواء غضبة الرجل، حتى تجاوز رجالات الحرس القديم المفاجأة، ورتبوا صفوفهم ليضمنوا استمرارهم في مواقعهم، واستغلال الانتخابات لإسقاط خصومهم (محمد حبيب – عبدالمنعم أبوالفتوح)، ودعم المكتب برجالاتهم المخلصين، ليتسنّى لهم الاصطفاف والسير بالتنظيم نحو تمكينٍ لا يتصدروه وإنما يُصدرُهم الشعب، وسيكون سلمهم إليه من يصدق اصطفافهم من النخب.
 
لا جديد في رسالة محمود حسين، مجرد غزل لمن يقرر أن يُصدق مدنية دولة التنظيم التي يسعى إليها، أو من يأمن شر شَرَكٍ اسمه الاصطفاف، أو يخدعه زُهدٌ تنظيمي زائف في التصدر (التمكين)، ولهذا يُصبح من المهم لاستيعاب عزف رسالة أمين الإخوان على وتر المدنية والشرعية، أن نُطلق في خلفية مشهدها، الأنشودة التنظيمية التي تغنّى بها الإخوان في احتفالية “أصالة الفكرة واستمرارية الرسالة” سبتمبر 2019، بأحد فنادق إسطنبول.
 
إنها بعض معالمِ مدنية دولة الإخوان التي يطمسها التنظيم عمدًا حتى يتمكّن، ويصدّقها أصحاب المصالح، وأصحاب الذاكرة المثقوبة.
 
 
 
عبدالجليل الشرنوبي
كاتب مصري

آخر الأخبار

المخرج التونسي سامي الشافعي يفوز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان ماربيلا السينمائي

المخرج التونسي سامي الشافعي يفوز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان ماربيلا السينمائي

الجامعة التونسية لكرة القدم تتحرك لتوفير تقنية "الفار" في البطولة الوطنية

الجامعة التونسية لكرة القدم تتحرك لتوفير تقنية "الفار" في البطولة الوطنية

 طائرة فائقة السرعة تصل من لندن إلى نيويورك في ساعة واحدة

 طائرة فائقة السرعة تصل من لندن إلى نيويورك في ساعة واحدة

تونس: اضطراب تشتت الانتباه وضرورة التشخيص المبكر

تونس: اضطراب تشتت الانتباه وضرورة التشخيص المبكر

أزمة التحكيم في تونس: الحكام يحتجون والمطالب تتزايد

أزمة التحكيم في تونس: الحكام يحتجون والمطالب تتزايد

Please publish modules in offcanvas position.