اختر لغتك

اتحاد الشغل يخوض الانتخابات: هل هو إعلان لعهد حكم الشغالين في تونس

اتحاد الشغل يخوض الانتخابات: هل هو إعلان لعهد حكم الشغالين في تونس

المنظمة النقابية تستعرض قوتها لتعديل المشهد السياسي، ورسائل ومقاصد متعدّدة الأبعاد للطبقة الحاكمة.
 
 
حوّل الاتحاد العام التونسي للشغل، عقب تنفيذه الخميس إضرابا عاما في قطاع الوظيفة العمومية، مسارات النقاش في تونس من مآلات وتداعيات الإضراب على مستقبل الحكومة والبلاد إلى نقاشات سياسية وشعبية بشأن الدور السياسي للاتحاد إثر إعلان نورالدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد، عن استعداد المنظمة لخوض كل المحطات الانتخابية القادمة بما فيها التشريعية والرئاسية عام 2019؛ وهو إعلان جاء برسائل ومقاصد متعددة الأبعاد قد تنتج عنها إعادة تشكيل المشهد والاصطفافات الحزبية في البلاد.
 
تونس - للمرة الثانية في أقل من أسبوع، يكشف نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، عن عزم المنظمة النقابية المشاركة بكامل ثقلها في المحطات الانتخابية القادمة في عام 2019. وحمل الإعلان الثاني زخما أقوى بالنظر إلى الحدث والزمن اللذين جاء في سياقهما، حيث كان ذلك خلال كلمة ألقاها الطبوبي أمام مقر مجلس نواب الشعب التونسي بمناسبة تنفيذ الإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية.
 
وأكّد الطبوبي أمام حشود من أنصار اتحاد الشغل أن المنظمة النقابية ستكون مهتمة بشكل كُلّي في المستقبل بأي انتخابات تجرى في تونس، قائلا إن “اتحاد الشغل تهُمّه الانتخابات التشريعية والرئاسية ولن نتخلى عن حقنا في أي من الانتخابات القادمة”، ليُعيد بذلك نفس الوعد الذي قطعه خلال أحد الاجتماعات النقابية الترتيبية للإضراب العام الذي تم تنفيذه الخميس الماضي.
 
وطرح الوعد الذي قطعه اتحاد الشغل بصفة علانية حزمة من الاستفهامات حول مستقبل المنظمة النقابية وأدوارها، إن أقحمت نفسها بصفة رسمية في عالم السياسة، من باب الانتخابات.
 
وتباينت آراء ومواقف الطبقة السياسية التي تلقفت تصريحات الطبوبي، إما بارتياح ومباركة وإما بانزعاج وارتباك بشأن ما يمكن أن يقود إليه إذا حقا تحوّل الاتحاد إلى “حزب سياسي” أو طرف حاكم.
 
 

مشاركات سابقة
 
 
لئن أثارت خطوة اتحاد الشغل نقاشا عاما في البلاد، فإن تاريخ الدولة الوطنية الحديثة في تونس يحفظ في طياته أن المنظمة النقابية إن صمّمت على المشاركة في الانتخابات فعلا، فلن يكون ذلك سابقة، خاصة أن المنظمة النقابية كانت قد شاركت في أول انتخابات تونسية عقب الاستقلال للمجلس القومي التأسيسي عام 1956.
 
وكان الاتحاد في سنة 1956 طرفا قويا ضمن الجبهة الوطنية التي ضمّت آنذاك الحزب الحر الدستوري، الذي تزعّمه الزعيم الحبيب بورقيبة، وكذلك منظمة أرباب العمل، ليتم بعد ذلك منح المنظمة النقابية بعض الحقائب الوزارية في أول حكومة وطنية مستقلة، ومن أهم الوزراء المنحدرين من اتحاد الشغل في تلك الفترة الكاتب والأديب محمود المسعدي.
 
ويذهب العديد من المراقبين إلى اعتبار أن الخطوة التي ينتهجها اتحاد الشغل، حتى وإن بقيت في خانة التلويح دون التطبيق، فهي تعد رسالة واضحة للأحزاب الحاكمة المساندة لحكومة يوسف الشاهد وخاصة حركة النهضة التي ظلت طيلة 8 سنوات مسيطرة على العمل البرلماني ما أتاح لها بأريحية تامة تمرير كل القوانين التي تريد أو تزكية رؤساء الحكومات التي تريد وآخرهم يوسف الشاهد.
 
ويُعدّ اتحاد الشغل، منذ مطلع عام 2018، أكثر الأطراف الداعية لوجوب إقالة الحكومة وفي مقدّمتها رئيسها يوسف الشاهد الذي نال المنصب في عام 2016 بتزكية من اتحاد الشغل نفسه في إطار ما سُمّي بحكومة الوحدة الوطنية.
 
وقال محمد علي البوغديري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، إن “من حق المنظمة النقابية دستوريا المشاركة في الانتخابات وهو حق وطني منحه دستور الجمهورية الثانية لكل التونسيين على حد السواء”.
 
وأوضح البوغديري أن “رغبة الاتحاد في المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة لن تكون عبر ترشيح قائمات انتخابية باسمه، بل بتوجيه النقابيين للتصويت لطرف سياسي على حساب آخر”.
 
وأكّد أن ما وصلت إليه البلاد من أزمات سياسة واقتصادية خانقة أثقلت كاهل الأجراء والبسطاء، ما دفع اتحاد الشغل إلى لعب دوره الوطني الموكول بعهدته، مشددا على أن المنظمة النقابية تضم أنصارا من مختلف الأحزاب والحساسيات السياسية، ولذلك على بعض الأحزاب التي تريد تحويل وجهة خطوة اتحاد الشغل لربطها بطرف سياسي بعينه، أن تترك هذا النوع من الخطابات المغالطة للرأي العام.
 
ويعتبر مراقبون أن تهديد اتحاد الشغل بدخول عالم السياسة من أوسع أبوابه الانتخابية يأتي كنتاج لتصورات المنظمة النقابية التي تتهم الحكومة في أكثر من مرة بالرضوخ لإملاءات الجهات المالية الدولية المانحة وفي مقدّمتها صندوق النقد الدولي.
 
ويُعلّق حسين الديماسي، الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق على خطوة اتحاد الشغل بقوله “من حق الاتحاد الدخول في الانتخابات والمشاركة فيها ولن يناقشه أحد في ذلك، لكن طبيعة وتركيبة المنظمة تقتضي بقاءه في المربع النقابي خاصة أنه نسيج من مختلف المدارس السياسية”.
 
ويؤكد الديماسي في حديثه، على أنه “في حال دخلت المنظمة النقابية الانتخابات وفازت بها فإن ذلك سيترتب عنه العديد من المتغيرات خاصة في السياسة الاقتصادية للبلاد”، مشيرا إلى أن اتحاد الشغل الذي يتهم كل الحكومات المتعاقبة بالرضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي هو أكثر طرف يتحمل مسؤولية الفشل والوضع الاقتصادي الصعب.
 
ويقول الديماسي إن “اتحاد الشغل هو من كان يُملي القرارات على كل الحكومات”، مضيفا أنه “إذا فاز الاتحاد العام التونسي للشغل بالانتخابات فيا خيبة المسعى، لأنه سيعيد إنتاج سياسات الفشل التي انتهجها منذ ثورة جانفي 2011”.
 
 

حزب لا منظمة
 
لم تصدر حركة النهضة، صاحبة المرتبة الأولى في البرلمان، موقفا رسميا من نية اتحاد الشغل المشاركة في الانتخابات باستثناء تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي كتبها نائبها بالبرلمان ناجي الجمل الذي بارك “مشاركة المنظمة في الشأن السياسي والانتخابات كبقية الأحزاب السياسية”.
 
وفهم في الأوساط السياسية من كلام الجمل “كبقية الأحزاب السياسية” أن حركة النهضة تعتبر اتحاد الشغل حزبا وليس منظمة نقابية.
 
وفي المقابل، رحّبت الأحزاب التقدمية والحداثية برؤى وتصورات اتحاد الشغل. وبارك رضا بالحاج، القيادي بحزب نداء تونس، “هذه الخطوة المبنية على شعور اتحاد الشغل بمصلحة البلاد، خاصة أن نفس الطرف السياسي ظل ماسكا منذ ثورة يناير بمقاليد الحكم وخاصة بالسطو على البرلمان مما أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد”.
 
وفاز حزب نداء تونس بالانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014 لكنه تحوّل بصفة رسمية عقب دعم حركة النهضة لبقاء يوسف الشاهد على رأس الحكومة إلى صف المعارضة على خلفية معركة حزبية ضيّقة بين يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي.
 
ولم تقتصر التفاعلات والنقاشات بشأن ما لوّح به اتحاد الشغل على أحزاب الحكم “المتخاصمة”، بل رحّبت جل أحزاب المعارضة بالخطوة الجديدة لأكبر منظمة نقابية في تونس.
 
وقال عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري، “حزبنا تفاعل بشكل إيجابي مع إعلان اتحاد الشغل عزمه المشاركة في الانتخابات القادمة”.
 
وأوضح أن اتحاد الشغل وصل إلى هذا الموقف من منطلق حرصه على وجوب الاستقرار السياسي والاقتصادي في تونس التي رهنتها الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 إلى الجهات المالية المانحة وخاصة لسياسات صندوق النقد الدولي الجائرة.
 
ورغم أن محمد علي البوغديري أكّد ” أن دور المنظمة في الانتخابات سيقتصر على توجيه قواعده لمن سيصوتون، إلا أن طبيعة المشاركة النقابية في المحطات الانتخابية القادمة مازالت غير واضحة المعالم.
 
وتقول الناشطة السياسية نزيهة رجيبة إنها تدعم بصفة تامة خوض الاتحاد العام التونسي لكل المحطات الانتخابية القادمة لتعديل المشهد السياسي خاصة لما يكتسبه من ثقل وعمق شعبي.
 
وتضيف رجيبة “أتمنى أن يدخل اتحاد الشغل للانتخابات لكن بشرط أن يحسن اختيار مرشحيه واحترام حريتهم لأن آلة الاتحاد هي الوحيدة الآن في البلاد القادرة على تقليم أظافر آلة أحزاب الحكم وخاصة حركة النهضة”.
 
وتقترح نزيهة رجيبة أن تساند المنظمة النقابية وتمول الحملات الانتخابية لإخراج الناخبين الكسالى واليائسين من قواقعهم للتسجيل والتصويت بقوة والتعبير عن إراداتهم الشعبية بشكل حرّ لتخليص البلاد من العبث السياسي الذي نخر كل مقوماتها.
 
ورغم تباين المواقف من خطوة المنظمة النقابية، فإنه من المرجح أن ينقل نزول اتحاد الشغل بآلته وحشود أنصاره للمشاركة في الشأن العام بصفة كبيرة المعركة التونسية من مجتمعية قائمة على حروب الإسلاميين والحداثيين إلى معركة اجتماعية صرفة قوامها مصالح الأجراء والطبقة الوسطى كما تشير إلى ذلك تاريخ المنظمة النقابي.
 
 
وسام حمدي
صحافي تونسي
 

آخر الأخبار

حريق ضخم يندلع في غابة شعراء بعين دراهم وصعوبة التضاريس تعرقل جهود الإطفاء

حريق ضخم يندلع في غابة شعراء بعين دراهم وصعوبة التضاريس تعرقل جهود الإطفاء

اكتشاف خاتم أثري يعود لشعب البيكتيون في أسكتلندا مدفون لأكثر من 1000 عام

اكتشاف خاتم أثري يعود لشعب البيكتيون في أسكتلندا مدفون لأكثر من 1000 عام

باحثون أمريكيون يكتشفون صبغة تجعل الجلد شفافاً: ثورة جديدة في تشخيص الأورام

باحثون أمريكيون يكتشفون صبغة تجعل الجلد شفافاً: ثورة جديدة في تشخيص الأورام

يوتيوب تطور أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لحماية المبدعين من الفيديوهات المزيفة

يوتيوب تطور أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لحماية المبدعين من الفيديوهات المزيفة

المعهد الوطني للرصد الجوي يحذر من خلايا رعدية وأمطار محلية في الجنوب الشرقي والمرتفعات الغربية

المعهد الوطني للرصد الجوي يحذر من خلايا رعدية وأمطار محلية في الجنوب الشرقي والمرتفعات الغربية

Please publish modules in offcanvas position.