الخمر ثقافة أصيلة
تعمل نسبة كبيرة من الشعب التونسي بمقولة الشاعر الفرنسي شارل بودلير “اسكروا. لا بد للمرء من أن يكون نشوان دائما. تلك هي الخلاصة، تلك هي القضية الوحيدة. فلكي لا تشعروا بعبء الزمن الفادح الذي يُحطم كواهلكم ويحني قاماتكم للتراب، لا بد لكم من أن تسكروا بلا هوادة”.
وبيّن الوسيلة في بقية المقولة “ولكن بماذا؟ بالخمر أو بالشعر أو بالفضيلة، بحسب ما تهوون.. ولكن اسكروا”. فيختار التونسيون أن يسكروا بالخمر حصرا. ويقول علي موظف (42 عاما) “كل شيء بات يبعث على الضجر في البلاد: صراخ السياسيين في بلاتوهات القنوات التلفزيونية، نكد المتأسلمين، ارتفاع الأسعار، غلاء المعيشة، إضراب الأساتذة، أزمة النداء، أفواج العاطلين عن العمل، الفساد، الحراقة (المهاجرون غير الشرعيين) في عرض البحر… وآخرها المدرسة القرآنية”.
وتجمع كل الدراسات النفسية والاجتماعية والاقتصادية أن التونسي ما بعد 2011 ليس هو نفسه التونسي ما قبل هذه المرحلة. ويقول عماد الرقيق المختص في علم النفس “إن الارتفاع الكبير في نسبة استهلاك التونسي للكحول بعد الثورة ومن وراء ذلك الإدمان على المخدرات وعلى شرب الكحول، يعكس حالة من التأزم النفسي والقلق وعمق الاضطرابات النفسية التي يعيشها التونسي. وارتفاع استهلاك الكحول هو مؤشر خطير وصادم، على الدولة أن تأخذه مأخذ الجد وتحاول معالجته بتقصي الأسباب الحقيقية التي تقف وراءه”.
وصنفت تقارير عالمية الشعب التونسي في صدارة الشعوب الأكثر كآبة وتوترا في العالم. فتنامي ظاهرة الإرهاب وتزايد أعداد الجريمة تسببا في هروب التونسيين إلى المشروبات الكحولية في محاولة لنسيان اليومي بفقره وعنفه وعدم استقراره.
والمؤكد أن نسبة الإقبال على استهلاك المشروبات الكحولية في تونس ستظل في ارتفاع مطّرد ما دام الوضع العام في تدهور.
ويقول خبير “المعادلة بسيطة. تناول الكحول لم يكن أبدا مشكلا ولن يكون أبدا حلا. إذ خلف الإدمان دائما أزمة نفسية واجتماعية. لكن الناس يحتاجون إلى الكحول ليبعثوا الأمل في أنفسهم ويقاموا الضجر الذي يملأ حياتهم”.