الحديث عن تسوية سياسية يعود إلى الواجهة من جديد من بوابة أوروبية وأخرى تركية روسية.
طرابلس - يواجه قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر تحديا بإقناع المجتمع الدولي بتسوية سياسية تنهي الانقسام وتضع حدا لسنوات من الفوضى التي نشرها الإسلاميون في ليبيا، وهي الشروط التي تتضارب مع مساع مقابلة لتثبيت حكم الإسلاميين في طرابلس من خلال اتفاق يوقف الحرب لكنه يرسخ الانقسام على أساس الأقاليم (برقة وفزان للجيش وطرابلس للإسلاميين).
وبعد أشهر من التصعيد العسكري، الذي تزايدت حدته بعد التدخل التركي، عاد الحديث عن تسوية سياسية إلى الواجهة من جديد، من بوابة أوروبية وأخرى روسية تركية ما عكس تنافسا بين الطرفين بهذا الخصوص.
وتندرج اللقاءات التي عقدها رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بخليفة حفتر واجتماع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج بمسؤولين أوروبيين في بروكسل في إطار التحركات الأوروبية لاستعادة السيطرة على الملف الليبي، بعد ما أعطت التحركات الروسية والتركية في ليبيا الأشهر الماضية الانطباع بأن الملف بات تحت تصرفهما.
وكان رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، تحدث عن “عمل جار من أجل وساطة ومبادرة أوروبية” بشأن الصراع العسكري الراهن في ليبيا، إلا أنه لم يكشف عن تفاصيل هذه الجهود.
وقبل ذلك ألمح وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، إلى إمكانية أن يعقد الوفد الأوروبي بقيادة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل، الذي تأجلت زيارته لليبيا، لقاءات مع كل من فايز السراج وخليفة حفتر في “مكان آخر خارج ليبيا”.
والتقى السرّاج جوزيف بوريل الذي حذّر في وقت سابق من أن ليبيا أمام “محطة فاصلة”.
وإلى جانب بوريل، التقى السرّاج رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي شارك، الثلاثاء، في محادثات عاجلة تتعلق بالشأن الليبي مع نظرائه الفرنسي والبريطاني والإيطالي.
وفي بيان صدر لاحقا، تعهد الاتحاد الأوروبي بـ“تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سلمي وسياسي”، وأمل أن يوفر ما يسمى عملية برلين – وهي محادثات برعاية الأمم المتحدة يتوقع أن تجري في العاصمة الألمانية – طريقا للتوصل إلى الحل.
وصرح ماس، الأربعاء، أن السراج قدم دعمه الكامل لعملية برلين وتعهد بـ“تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه هناك، وهو وقف إطلاق النار وحظر الأسلحة مع الدول المجاورة، ولكن والأهم من ذلك العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة”.
ويعمل الإسلاميون وحلفاؤهم من الأوروبيين في مقدمتهم بريطانيا وبعض الدول الإقليمية كتركيا والجزائر وتونس على إدانة مجلس الأمن للعملية العسكرية التي أطلقها الجيش لتحرير طرابلس بما يجبره في ما بعد على وقف المعارك والخضوع لمفاوضات تهدف بالأساس إلى إنقاذ الإسلاميين وترسيخ سيطرتهم على المؤسسات الحيوية في البلاد كمؤسسة النفط والمصرف المركزي.
ويؤكد تصاعد الدعوات إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات بعد يومين فقط من سيطرة الجيش على سرت هذه المعلومات. ويقول مراقبون إن الإسلاميين، الذين لم يعد لديهم من الجغرافيا الليبية سوى طرابلس ومصراتة وبعض المدن التي لا وزن استراتيجيا لها غرب ليبيا، باتوا يستشعرون خطر حسم المعركة بالقوة، رغم المساعدات العسكرية التركية المتمثلة في المرتزقة السوريين والأسلحة.
وخسر الإسلاميون الانتخابات التشريعية التي جرت في 2014، لكنهم لم يخسروا الحكم بعد أن قاموا بعملية فجر ليبيا التي انتهت بطرد الحكومة الشرعية من طرابلس وتنصيب حكومة إسلامية موازية.
ولم يعترف المجتمع الدولي حينئذ بحكومتهم لكن اتفاق الصخيرات أعاد إليهم الاعتراف الدولي، رغم عدم موافقة البرلمان الليبي عليه.
ورغم النجاحات التي حققها الجيش بفرض سيطرته على أغلب الجغرافيا الليبية، إضافة إلى حقول النفط وموانئ تصديرها، ما زال الإسلاميون يحاولون فرض اتفاق يبقيهم المتحكمين الرئيسيين في ليبيا ومواردها.
وتقول أوساط سياسية إن ما دفع حفتر في 4 أبريل الماضي إلى مهاجمة العاصمة هو رفض الإسلاميين دخول الجيش إلى طرابلس في إطار تسوية كان من المرتقب أن تتبلور في مؤتمر غدامس الذي كان مقررا أن يعقد في نفس الشهر برعاية المبعوث الأممي غسان سلامة.
كما أن الإسلاميين، الذين يدركون جيدا تراجع شعبيتهم بسبب ما ارتكبوه من فوضى منذ 2011، يرفضون إجراء الانتخابات وخاصة الرئاسية، وهي أحد شروط حفتر للقبول بأي تسوية.
وبعد نحو عشرة أشهر من القتال، يزداد معها الإسلاميون ضعفا يوما بعد آخر، لا تبرز أي مؤشرات على استعدادهم للتنازل عن تلك الشروط. ويقول مراقبون إن النجاحات التي حققها الجيش على مدى الأشهر الماضية تسمح لحفتر بالضغط من أجل تسوية تنهي الفوضى والانقسام وتضع حدا لهيمنة الإسلاميين على الحكم بدعم دولي.
ومنذ بدء المعركة يردد الإسلاميون أنهم لن يقبلوا بالدخول في أي مفاوضات قبل عودة الجيش إلى مواقعه في الشرق وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 4 أبريل، وهي الشروط التي تطرح تساؤلات بشأن جدية الإسلاميين في إنهاء الانقسام وتعزز الاتهامات الموجهة إليهم بتقسيم البلاد بين شرق وغرب.
والأربعاء طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأطراف الليبية بوقف إطلاق النار بدءا من يوم 12 يناير والعودة إلى طاولة المفاوضات. وينظر مؤيدون للجيش إلى هذه الهدنة على أنها محاولة لمنح الميليشيات وقتا لإعادة ترتيب صفوفها.