الصفحة 3 من 4
عوامل ومحفزات الاستمرار
بدأت الدول العربية تعي أهمية تعزيز مواقعها وقوتها الاقتصادية والدبلوماسية في أفريقيا بالتوازي مع علاقاتها مع أوروبا وآسيا والولايات المتحدة. ويترجم هذا التوجه الجديد احتلال الإمارات المرتبة الثانية على قائمة أبرز استثمارات رأس المال في أفريقيا لسنة 2017. ويأتي المغرب ثالثا، والسعودية في المرتبة الخامسة بعد إيطاليا وفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
ويعد المغرب ثاني أكبر مستثمر أفريقي في جنوب القارة بعد جنوب أفريقيا. ووصل حجم التبادل التجاري بين المغرب والدول الأفريقية إلى 6.9 مليار دولار عام 2018 مقارنة بــ5.6 مليار دولار عام 2017. وتواصل هذه الأرقام ارتفاعها خاصة مع زيادة استثمارات دول الخليج العربي، وخصوصا السعودية والإمارات، في دول أفريقيا.
وعزز المغرب من حضوره في منطقتي وسط وغرب أفريقيا لكي يشمل توقيع 100 اتفاقية مع 28 دولة أفريقية، مستغلا مركزه الجغرافي الاستراتيجي المتميز، والاستثمار الأجنبي المتزايد، ومستويات الدين الخارجي. واستطاعت المجموعات المغربية البنكية أن تظهر قدرة تنافسية دولية، فبنك “التجاري وفا”، على سبيل المثال، يعمل في 13 دول أفريقية في جنوب الصحراء، كما يمتلك “البنك الشعبي المركزي” شبكة مكوّنة من 19 فرعا معتمدة في المنطقة.
وأقنعت الرباط نيجيريا بإنشاء خط أنابيب غاز يمتد على طول الشريط الساحلي بين نيجيريا والمغرب. كما اتخذت خطوة هامة ببناء أكبر مصنع للأسمدة في القارة بتكلفة إجمالية تبلغ 3.6 مليار دولار. ويخطط المغرب للاستثمار في موانئ إريتريا، فيما أعلنت شركة الاتصالات المغربية أن عدد منخرطيها في القارة تجاوز 60 مليون مستخدم، وباتت شركة الاتصالات تنشط في 11 دولة.
ويطمح المغرب لأن يجعل من ميناء طنجة المتوسط إحدى أكبر المحطات اللوجستية التي تربط بين أقرب سوق عالمية (الاتحاد الأوروبي) وغرب أفريقيا، وهو بذلك يضع لبنة كبرى في قيادة التجارة البحرية الأفريقية عبراتصاله بـ186 منفذا حول العالم في 77 دولة.
هذا المنحى يتم تعزيزه باتجاه اهتمام دول الخليج العربي بدول منابع حوض النيل والقرن الأفريقي. إذ وجهت استثماراتها بداية في منطقة النيل الشرقي، بخاصة في مصر والسودان، وجنوب السودان، وإثيوبيا وإريتريا.
وبلغت الاستثمارات الخليجية 13 مليار دولار خلال الفترة 2000-2017. وشملت 434 مشروعا، يرجع 77 بالمئة منها إلى السعودية (252 مشروعا)، والإمارات العربية المتحدة (133 مشروعا)، لكل منهما نحو 5 مليارات دولار، ثم الكويت بـ2.4 مليار دولار شملت (31 مشروعا).
وتعد السعودية أكبر مستثمر في مجال الزراعة في حوض النيل، حيث تملك 66 بالمئة من جملة المشروعات الزراعية، تليها الإمارات العربية المتحدة (27 بالمئة)، والكويت (7 بالمئة)، وقطر (1 بالمئة).
ونظرا للدور التنموي الذي تلعبه الاستثمارات السعودية والإماراتية، فإنها استطاعت التأثير إيجابيا في مجريات الصراع الدائر بين إثيوبيا وإريتريا عبر توقيع اتفاق سلام في جدة في 16 سبتمبر 2018.
على إثر هذا الانفراج الهام، استضافت السعودية محادثات مباشرة بين إريتريا وجيبوتي لإيجاد حلول للنزاعات الحدودية بينهما، مما جعل هذه المبادرة أنجح مبادرة سياسية تضع حدا لصراع طويل الأمد، فشلت في حله القوى الدولية الكبرى.
يمثل الحضور المغربي والسعودي والإماراتي والمصري نواة عربية مركزية لمسار جديد تقوده جامعة الدول العربية مع الاتحاد الأفريقي
والجدير بالذكر، أن هذه الخطوات سبقها تنسيق سعودي إماراتي. إذ اضطلعت الإمارات على مستوى الرؤية والسياسات بأدوار مهمة في التوصل لاتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا. وهي تحاول العمل على صيانة أمن القرن الأفريقي، الجدار الخلفي لأمن الخليج.
وتعد الإمارات ثاني أكبر مستثمر في القارة السمراء من منطقة الشرق الأوسط، حيث تقدر استثماراتها بنحو 11 مليار دولار. وتلعب دورا مهما في القرن الأفريقي بفضل الدور الطلائعي لشركة “موانئ دبي العالمية” وحضورها الهام في موانئ الصومال وإريتريا بالقرب من باب المندب.